أمر الدنيا إصلاحًا ورعايةً، ولكن كمَمَرٍّ إلى الآخرة.
وهذه أمثلة على هذه النماذج التي أخرجتها تربية النبي محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -:
١ - عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَلَى سَرِيرٍ مُضْطَجِعٌ، مُرْمَلٌ بِشَرِيطٍ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَدَخَلَ عُمَرُ - رضي الله عنه - فَانْحَرَفَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - انْحِرَافَةً، فَلَمْ يَرَ عُمَرُ بَيْنَ جَنْبِهِ وَبَيْنَ الشَّرِيطِ ثَوْبًا، وَقَدْ أَثَّرَ الشَّرِيطُ بِجَنْبِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فبَكَى عُمَرُ. فَقَالَ لَهُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: مَا يُبْكِيكَ يَا عُمَرُ؟ . قَالَ: وَالله مَا أَبْكِى إِلَّا أَنْ أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّكَ أَكْرَمُ عَلَى الله - عز وجل - مِنْ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَهُمَا يَعِيثَانِ في الدُّنْيَا فِيمَا يَعِيثَانِ فِيهِ، وَأَنْتَ يَا رَسُولَ الله بِالْمَكَانِ الَّذِي أَرَى. فَقَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الآخِرَةُ؟ ". قَالَ عُمَرُ: بَلَى. قَالَ:"فَإِنَّهُ كَذَاكَ"(١).
٢ - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت:"مات أبو بكر رضي الله عنه فما ترك دينارًا ولا درهمًا، وكان قد أخذ قبل ذلك ماله فألقاه في بيت المال".
٣ - وعن الحسن أنه سئل عن القائلين في المسجد فقال: رأيت عثمان بن عفان - رضي الله عنه - يقيل في المسجد وهو يومئذ خليفة، قال: ويقوم وأثر الحصير بجنبه، فيقال: هذا أمير المؤمنين، هذا أمير المؤمنين.
٤ - وعن شرحبيل بن مسلم أن عثمان - رضي الله عنه - كان يطعم الناس طعام الإمارة، ويدخل بيته فيأكل الخلّ والزيت.
٥ - وعن عبد الملك بن عمير قال: حدثني رجل من ثقيف أن عليًا استعمله على عكبرا قال: ولم يكن السواد يسكنه المصلون وقال لي: إذا كان عند الظهر فرُح إلي فرُحت إليه فلم أجد عنده حاجبًا يحبسني عنه دونه، فوجدته جالسًا وعنده قدح وكوز من ماء فدعا بطينة، فقلت في نفسي لقد أمنني حتى يخرج إليَّ جوهرًا ولا أدري ما فيها، فإذا عليها خاتم فكسر الخاتم فإذا فيها سويق فأخرج منها فصبَّ في القدح فصَبَّ عليه ماءً فشرب وسقاني فلم
(١) رواه أحمد (٣/ ١٣٩)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (٣٢٨٤).