للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصبر فقلت: يا أمير المؤمنين أتصنع هذا بالعراق وطعام العراق أكثر من ذلك؟ قال: أما والله ما أختم عليه بخلًا عليه، ولكني أبتاع قدر ما يكفيني فأخاف أن يفنى فيصنع من غيره، وإنما حفظي لذلك وأكره أن أدخل بطني إلا طيبًا. (١)

٦ - وعن عروة - رضي الله عنه - قال: دخل عمر بن الخطاب على أبي عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه - فإذا هو مضطجع على طنفسة رحله، متوسد الحقيبة، فقال له عمر: ألا اتخذت ما اتخذ أصحابك؟

قال: يا أمير المؤمنين، هذا يبلّغني المقيل.

وقال معمر في حديثه: لما قدم عمر الشام تلقّاه الناس وعظماءُ أهل الأرض فقال عمر: أين أخي؟ قالوا من؟ قال: أبو عبيدة، قالوا: الآن يأتيك! فلما أتاه نزل فاعتنقه فقال، ثم دخل عليه بيته فلم ير في بيته إلا سيفه وترسه ورحله. (٢)

٧ - وعن الحسن قال: كان عطاء سلمان - رضي الله عنه - خمسة آلاف درهم، وكان أميرًا على زهاء ثلاثين ألفًا من المسلمين، وكان يخطب الناس في عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها، وإذا خرج عطاؤه أمضاه ويأكل من سفيف يده. (٣)

مما مرَّ - وغيره كثير - يتبين لنا أنّ الجيل الذي ربّاه محمد - صلى الله عليه وسلم - جيلٌ أصبح همُّه الأعلى الآخرة، ولم يعد له في غيرها همة، إلا إذا كان وسيلة تقربهم إلى الله تعالى، وتفرع عن هذا الأصل سلوك لا مثيل له في أي جانب من جوانب الحياة، ألا وهو التضحية، وهذا ما نراه عند الصحابة - رضي الله عنهم - واضحًا جليًا لكل ذي عينين ابتغاء وجه الله والدار الآخرة، مما يدل على مقدار إيمانهم بالله تعالى واليوم الآخر، حتى أصبح محور حياتهم، وأسوق الآن بعض الأمثلة التي توضح أن هذا الأمر قد استقر في أنفسهم:


(١) أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (١/ ٨٢).
(٢) رواه أبو نعيم في الحلية (١/ ١٠١).
(٣) المصدر السابق (١/ ١٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>