ويترتب أيضًا على كون الإسلام من عند الله، أنه يظفر بقدر كبير جدًّا من الهيبة والاحترام من قبل المؤمنين به، مهما كانت مراكزهم الاجتماعية وسلطاتهم الدنيوية؛ لأن هذه السلطات وتلك المراكز لا تخرجهم من دائرة الخضوع لله تعالى واحترام شرعه، وطاعة هذا الشرع طاعة اختيارية تنبعث من النفس وتقوم على الإيمان، ولا يقسر عليها المسلم قسرًا. وفي هذا ضمان عظيم لحسن تطبيق القانون الإسلامي وعدم الخروج عليه ولو مع القدرة على هذا الخروج.
أما القوانين والمبادئ الوضعية التي شرعها الإنسان؛ فإنها لا تظفر بهذا المقدار من الاحترام والهيبة، إذ ليس لها سلطان على النفوس ولا تقوم على أساس من العقيدة والإيمان كما هو الحال بالنسبة للإسلام، ولهذا فإن النفوس تجرؤ على مخالفة القانون الوضعي كلما وجدت فرصة لذلك وقدرة على الإفلات من ملاحقة القانون وسلطان القضاء، ورأت في هذه المخالفة اتباعًا لأهوائها وتحقيقًا لرغباتها. إن القانون لا يكفي أن يكون صالحًا؛ بل لا بد له من ضمانات تكفل حسن تطبيقه، ومن أول هذه الضمانات، إيجاد ما يصل هذا القانون بنفوس الناس ويحملهم على الرضى به والانقياد له عن طواعية واختيار. ولا يحقق مثل هذه الضمانة مثل الإسلام؛ لأنه أقام تشريعاته على أساس الإيمان بالله واليوم الآخر ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأن الالتزام الاختياري بهذه التشريعات واحترامها هو مقتضى هذا الإيمان.
وللتدليل على صحة ما نقول نضرب مثلًا واحدًا بشأن واقعة معينة عالجها الإسلام بتشريعه ونجح في هذه المعالجة، وعالجت هذه الواقعةَ بالذات القوانينُ الوضعيةُ وفشلت في هذه المعالجة.
من المعروف أن العرب قبل الإسلام كانوا مولعين بشرب الخمر لا يجدون فيه منقصةً ولا منكرًا، وكانت زقاق الخمر ودنانه في البيوت كالماء المخزون في القرب والحباب. فلما أتى الإسلام بتحريم الخمر بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠)} [المائدة: ٩٠] قوة هائلة تفوق قوة الجيش والشرطة، وما يمكن أن تستعمله أي دولة لتنفيذ أوامرها بالقوة والجبر. . لقد قام المسلمون إلى زقاق الخمر فأراقوها، وإلى دنانه فكسروها، وفطموا نفوسهم من شرب