فمنِ ادَّعى شيئًا من ذلك فليواف الموسم، يأخذ حقّه حيث كان مني أو من عمالي، أو تصدقوا إن الله يجزي المتصدقين".
ولم تكن هذه مجرد مبادئ نظرية أو مجرد كلمات تقال، فقد طبقت تطبيقًا واقعيًا، وسرت في أوساط الشعوب حتى اتخذت قاعدة للأوضاع العملية.
وكمثال عملي على هذا الكلام هذه الحادثة:
حادثة ابن القبطي الذي سابق ابن عمرو بن العاص، فاتح مصر وواليها، فسبقه فضربه ابن عمرو، فشكا أبوه إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فأقصه منه في موسم الحج وعلى ملأ من الناس.
ولا نقف في هذه الحادثة عند عدل عمر فقط ولكن الحادثة أوسع دلالة على ذلك التيار التحريري الذي أطلق الإسلام في ضمائر الناس وفي حياتهم.
فمصر إذ ذاك بلد مفتوح، وحديث عهد بالفتح الإسلامي. وهذا القبطي لم يزل على دينه فردًا من جماهير البلد المفتوحة، وعمرو بن العاص - رضي الله عنه - هو فاتح هذا الإقليم، وأول أمير عليه من قبل الإسلام، وحكام هذا الإقليم قبل الفتح الإسلامي هم الرومان، أصحاب السياط التي تجلد ظهور شعوب المستعمرات، ولعل ذلك القبطي كان ما يزال ظهره يحمل آثار سياط الرومان.
ولكن المدّ التحرري الذي أطلقه الإسلام في أنحاء الأرض، أنسى ذلك القبطيّ سياطَ الرُّومان وذُلَّها، وأطلقه إنسانا حرًا كريمًا، يغضب لأن يضرب ابن الأمير ابنه بعد اشتراكهما في سباق. ثم تحمله هذه الغضبة لكرامة ابنه الجريحة على أن يركب من مصر إلى المدينة، لا طائرة ولا سيارة ولا باخرة ولا قطارًا، ولكن جملًا يخَبُّ به ويضَعُ الأشهرَ الطُّوال كل ذلك ليشكو للخليفة. (١)
وإليك نماذج من توجيهات النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب:
عَنْ حُذَيْفَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّكُمْ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ،
(١) انظر: الرسول - صلى الله عليه وسلم -، سعيد حوى (٢/ ١٧٧).