الحق الذي لا جدال فيه: والواقع أن كل ما ذهب إليه اليهود والنصارى باطل. ولن نذهب في بيان بطلانه إلى أبعد من دلالة النص المتنازع عليه نفسه. أما الحق الذي لا جدال فيه فإن هذا النص ليس له محمل مقبول إلا البشارة برسول الإسلام - صلى الله عليه وسلم -.
وإليكم البيان: إن النص المتنازع عليه يقيد البشارة بالنبي الموعود به فيه بشرطين:
أحدهما: أنه من وسط إخوة بني إسرائيل.
وثانيهما: أنه مثل موسى - عليه السلام - صاحب شريعة وجهاد لأعداء الله، وهذان الشرطان لا وجود لهما لا في يوشع بن نون، ولا في صموئيل كما يدعي اليهود في أحد قوليهم.
ولا في عيسى - عليه السلام - كما يدعي النصارى.
أما انتفاء الشرط الأول:
فلأن يوشع وصموئيل وعيسى من بني إسرائيل وليسو من وسط إخوة بني إسرائيل. ولو كان المراد واحدًا منهم لقال في الوعد: أقيم لهم نبيًا منهم. .؟ ! هذا هو منهج الوحي في مثل هذه الأمور كما قال في شأن النبي - صلى الله عليه وسلم -: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ}[الجمعة: ٢].
وكما جاء على لسان إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ}[البقرة: ١٢٩].
وأما انتفاء الشرط الثاني:
فلأن لا صموئيل ولا يوشع ولا عيسى ابن مريم كانوا مثل "موسى" - عليه السلام -، لعدة أوجه:
أولًا: لأنهما من بني إسرائيل، ولا يجوز أن يقوم أحد من بني إسرائيل مثل موسى كما يدل عليه هذا النص "١٠ وَلَمْ يَقُمْ بَعْدُ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيلَ مِثْلُ مُوسَى الَّذِي عَرَفَهُ الرَّبُّ وَجْهًا لِوَجْهٍ"(سفر التثنية ٣٤: ١٠) فإن قام أحد مثل موسى بعده من بني إسرائيل، يلزم تكذيب هذا القول.
ثانيًا: فلأنه لا مماثلة بين يوشع وبين موسى عليهما السلام؛ لأن موسى - عليه السلام - صاحب كتاب وشريعة جديدة مشتملة على أوامر ونواهي، ويوشع ليس كذلك؛ بل هو متبع لشريعته.