اثنين أو أكثر في زمان واحد ومكان واحد، كما ثبت وجودهم ما بين زمان موسى وعيسى عليهما السلام.
عاشرًا: أن عيسى - عليه السلام - قال: "يُبَكِّتُ الْعَالَمَ".
فهذا القول بمنزلة النص الجلي لمحمد - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه بكّت العالم - لا سيما اليهود على عدم إيمانهم بعيسى - عليه السلام - توبيخًا لا يشك فيه إلا معاند بحت، وسيكون ابنه الرشيد محمد المهدي رفيقًا لعيسى - عليه السلام - في زمان قتل الدجال الأعور ومتابعيه، بخلاف الروح النازل يوم الدار، فإن تبكيته لا يصح على أصول أحد، وما كان التوبيخ منصب الحواريين بعد نزوله أيضًا؛ لأنهم كانوا يدعون إلى الملة بالترغيب والوعظ.
الحادي عشر: أن عيسى - عليه السلام - قال: "أَمَّا عَلَى خَطِيَّةٍ فَلأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِي."
وهذا يدل على أن المعزي يكون ظاهرًا على منكري عيسى - عليه السلام - موبخًا لهم على عدم الإيمان به، والروح النازل يوم الدار ما كان ظاهرًا على الناس موبخًا لهم.
الثاني عشر: قال عيسى - عليه السلام -: ""إِنَّ لِي أُمُورًا كَثِيرَةً أَيْضًا لأَقُولَ لَكُمْ، وَلكِنْ لَا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَحْتَمِلُوا الآنَ."
وهذا ينافي إرادة الروح النازل يوم الدار؛ لأنه ما زاد حكمًا على أحكام عيسى - عليه السلام -، لأنه على زعم أهل التثليث كان أمر الحواريين بعقيدة التثليث وبدعوة أهل العالم كله، فأي أمر حصل لهم أزيد من أقواله التي قال لهم إلى زمان صعوده؟ !
الثالث عشر: أن عيسى - عليه السلام - قال: "لأَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ".
وهذا يدل على أن المعزي (فارقليط) يكون بحيث يكذبه بنو إسرائيل، فاحتاج عيسى - عليه السلام -
أن يقرر حال صدقه فقال هذا القول، ولا مجال لمظنة التكذيب في حق الروح النازل يوم الدار،
على أن هذا الروح عندهم عين الله فلا معنى لقوله "بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتكَلَّمُ بِهِ". فمصداقه
محمد - صلى الله عليه وسلم -، فإنه كان في حقه مظنة التكذيب وليس هو عين الله، وكان يتكلم بما يوحى إليه كما
قال الله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٣, ٤].