للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (١٩)} (النساء: ١٩)، وعاشروهن بالمعروف على ما أمر الله به من حسن المعاشرة، والخطاب للجميع إذ لكل أحد عِشرة؛ زوجًا كان أو وليًّا، ولكن المراد بهذا الأمر في الأغلب الأزواج وهو مثل قوله تعالى (فإمساك بمعروف) وذلك توفية حقها من المهر والنفقه، وألا يعبس في وجهها بغير ذنب، وأن يكون منطلقًا في القول، لا فظًا ولا غليظًا ولا مظهرًا ميلًا إلى غيرها.

والعشرة: المخالطة والممازجة. فأمر الله سبحانه بحسن صحبة النساء إذا عقدوا عليهن لتكون أدمة ما بينهم، وصحبتهم على الكمال؛ فإنه أهدأ للنفس وأهنأ للعيش. وهذا واجب على الزوج ولا يلزمه في القضاء، وقال بعضهم: أن يتصنع لها كما تتصنع له. (فإن كرهتموهن) أي: لدمامة أو سوء خلق من غير ارتكاب فاحشة أو نشوز، فهذا يندب فيه إلى الاحتمال؛ فعسى أن يؤل الأمر إلى أن يرزق الله منها أولادًا صالحين. ومن هذا المعنى ما ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر" (١)، أي: لا يبغضها بغضا كليا يحمله على فراقها. أي لا ينبغي له ذلك بل يغفر سيئتها لحسنتها، ويتغاضى عما يكره لما يحب (٢)، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها في آخر اليوم" (٣)، فلا يعدل إلى الضرب؛ لما في وقوع ذلك من النفرة المضادة لحسن المعاشرة المطلوبة في الزوجية؛ إلا إذا كان في أمر يتعلق بمعصية الله (٤). فحسن الخلق معهن، واحتمال الأذى منهن؛ ترحما عليهن لقصور عقلهن، قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وقال في تعظيم حقهن: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} وقال: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} قيل: هي المرأة. واعلم أنه ليس حسن


(١) مسلم (١٤٦٩).
(٢) القرطبي (٥/ ١٠٤).
(٣) البخاري (٥٢٠٤).
(٤) فتح الباري (٩/ ٢١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>