للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن هؤلاء الأعاجم الأغتام أخذوا يفتعلون الأسباب لتنقص القرآن وإلحاق المعابة به، أنه لم يكن سابقًا في بلاغته؛ بل اعتمد على بلاغة مَن سبقه من الشعراء والفصحاء كامرئ القيس وغيره، وأرادوا بذلك نفي أنه كلام الله وأنه صنع بشري يستعين بمَن سبق. (١)

قال السيوطي: لما عجزوا عن معارضته والإتيان بسورة تشبهه؛ على كثرة الخطباء فيهم والبلغاء، نادى عليهم بإظهار العجز، فقال: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (٨٨)} [الإسراء: ٨٨] هذا وهم الفصحاء اللد، وقد كانوا أحرص شيء على إطفاء نوره، وإخفاء أمره فلو كان في مقدرتهم معارضته، لعدلوا إليها قطعا للحجة، ولم ينقل عن أحد منهم أنه حدث نفسه بشيء من ذلك ولا رامه؛ بل عدلوا إلى العناد تارة وإلى الاستهزاء أخرى، . . .، ثم رضوا بتحكيم السيف في أعناقهم، وسبي ذراريهم وحرمهم، واستباحة أموالهم وقد كانوا آنف شيء وأشده حمية، فلو علموا أن الإتيان بمثله في قدرتهم لبادروا إليه؛ لأنه كان أهون عليهم (٢).

وقال أيضًا: قال الجاحظ: بعث الله محمدا أكثر ما كانت العرب شاعرًا وخطيبًا، وأحكم ما كانت لغة، وأشد ما كانت عدة، فدعا أقصاها وأدناها إلى توحيد الله وتصديق رسالته، فدعاهم بالحجة فلما قطع العذر، وأزال الشبهة، وصار الذي يمنعهم من الإقرار الهوى والحمية دون الجهل والحيرة، حملهم على حظهم بالسيف فنصب لهم الحرب، ونصبوا له، وقتل من عليتهم وأعلامهم وأعمامهم وبني أعمامهم، وهو في ذلك يحتج عليهم بالقرآن ويدعوهم صباحًا ومساءً إلى أن يعارضوه إن كان كاذبًا بسورة واحدة أو بآيات يسيرة، فكلما ازداد تحديًا لهم بها وتقريعا لعجزهم عنها تكشف من نقصهم ما كان مستورًا، وظهر منه ما كان خفيًّا، فحين لم يجدوا حيلة ولا حجة قالوا له: أنت تعرف من أخبار الأمم ما لا نعرف فلذلك يمكنك ما لا يمكننا، قال: فهاتوها مفتريات فلم يرم


(١) الظاهرة القرآنية لمالك بن نبي صـ ١٨٩.
(٢) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ٢/ ٣١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>