خطبة يقوم بها، أو رسالة يعملها، فيدخله من الأنفة والحمية ما يدعوه إلى معارضته، وإلى أن يُظْهِر ما عنده من الفضل، ويبذُلَ ما لديه من المُنَّة، حتى إنه ليتوصَّل إلى أن يكتب إليه، وأن يعرض كلامه عليه، ببعض العِلَل وبنوع من التَّمَحُّل، هذا وهو لم ير ذلك الإنسان قط، ولم يكن منه إليه ما يَهُزُّ ويُحَرِّك ويَهيجُ على تلك المعارضة، ويدعو إلى ذلك التَعَرُّض.
وإن كان المُدَّعِي بمرأى منه ومسمع، كان ذلك أَدعى له إلى مُباراته، وإلى إظهار ما عنده، وإلى أن يعرف الناس أنه لا يُقَصِّر عنه، أو أنَّه منه أفضلُ.
فإن انضافَ إلى ذلك أن يَدْعُوَه الرجلُ إلى مُمَاتَنَتِه، ويُحَرِّكه لمُقاوَلته، فذلك الذي يُسهر ليله ويَسلُبُه القرار، حتى يستفرغ مجهوده في جوابه، ويبلغ أقصى الحدِّ في مناقضته.
وإذا كان هذا واجبًا بين نَفْسين لا يَرُومُ أحدُهما من مُباهاةِ صاحبه إلا ما يَجْرِي على الألسُن من ذِكْرِه بالفضل فقط، فكيف يجوز أن يظهر في صميم العرب، وفي مثل قريش ذوي الأنفس الأبيَّة والهمم العليَّة، والأنَفَة والحمية مَنْ يدَّعي النبوة، ويخبر أنه مبعوث من الله تعالى إلى الخلق كَافَّة، وأنه بشير بالجنة ونذير بالنار، وأنه قد نَسَخَ به كل شريعةٍ تقدَّمته، ودِينٍ دان به الناس شَرْقًا وغربًا، وأنه خاتم النبيين، وأنه لا نبي بعده، إلى سائر ما صدع به - صلى الله عليه وسلم -، ثم يقول: وحجتي أن الله تعالى قد أنزل كتابًا عربيًا مبينًا، تعرفون ألفاظه، وتفهمون معانيه، إلا أنكم لا تقدرون على أن تأتوا بمثله، ولا بعشر سور منه، ولا بسورة واحدة، ولو جَهدتم جَهْدكم، واجتمع معكم الجن والإنس ثم لا تدعوهم نفوسهم إلى أن يعارضوه، ويُبَيِّنوا سَرَفَه في دعواه، مع إمكان ذلك، ومع أنهم لم يسمعوا إلا ما عندهم مثله أو قريب منه؟ أم هل يجوز أن يخرج خارج من الناس على قوم لهم رياسة، ولهم دين ونِحلة، فَيُؤَلِّبَ عليهم الناس، ويُدَبِّرَ في إخراجهم من ديارهم وأموالهم، وفي قَتْلِ صناديدهم وكبارهم، وسَبْي ذراريهم وأولادهم، وعُمْدتُه التي يجد بها السبيل إلى تَأَلُّفِ