للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول: فلما راجَعَتِ العَرَبُ رِوَايةَ الشِّعْرِ وذكر أيامها ومآثرها استقل بعض العشائر شعر شعرائهم وما ذهب من ذكر وقائعهم، وكان قومٌ قَلَّتِ وقائعُهم وأشعارُهم فأرادوا أن يَلْحَقوا بمن له الوقائع والأشعار، فقالوا على ألسنة شعرائهم، ثم كانت الرواة بعد فزادوا في الأشعار التي قيلت. وليس يُشكل على أهل العلم زيادة الرواة ولا ما وضعوا ولا ما وضع المولدون (١).

وقال: وكان أول من جمع أشعار العرب وساق أحاديثها حماد الراوية، وكان غير موثوق به، وكان ينحل شعر الرجل غيره، وينحله غير شعره، ويزيد في الأشعار (٢).

وسبب ذلك ما يقول الأستاذ محمود محمد شاكر: الشعر الجاهلي المحض له مشكلة قائمة برأسها، يشركه في بعضها الشعر في صدر الإسلام. وكلاهما يعتمد اعتمادًا يكاد يكون تامًّا على الرواية المتسلسلة في بوادي الجاهلية وحواضرها، ثم في بوادي الإسلام وحواضره إلى أن يصل إلى عهد رواية العلماء، وتقييد ما يَرْوُونَه كتابة في بعض الأحيان أو إملاءً على أصحابهم وتلاميذهم أحيانًا أخرى. وهذه الفترة واقعة ما بين سنة ١٥٠ قبل الهجرة تقريبا إلى نحو سنة ثمانين بعد الهجرة. وهذه فترة طويلة جدا، مئتان وثلاثون سنة أو تزيد تُعَرِّضُ الرواية المتنقلة عن طريق السماع والحفظ، لعيوب لا يمكن اتقاؤها. (٣)

وثمة عوامل خلال هذه السنين تُعَرِّض هذا المنقول للنسيان أو الزيادة والنقصان أو التحريف والتبديل.

يقول الأستاذ شاكر: جاء عصر الرواة العلماء، وجعلوا همهم تتبع الشعر والشعراء في قبيلة بعد قبيلة وحي بعد حتى لقوا في رحلتهم عوارض في تلقِّي الشعر: فقُرب عهد الشاعر أو بُعدُه من زمان العلماء الرواة له أثر في الرواية، وكذلك طول القصيدة أو قصرها له أثر آخر،


(١) السابق ١/ ٤٦.
(٢) السابق ١/ ٤٨.
(٣) نمط صعب ونمط مخيف صـ ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>