للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشهرة الشاعر لها أثر، كما عرضت للعلماء أنفسهم عوارض فيما سمعوه فحفظوه أو قيدوه من نسيانٍ لبعض ما حفظ، ومن لحوق الضياع أو التلف ببعض ما قيدوه وكتبوه، ومن تباعد الأيام أو تدانيها من وقت روايتهم، ثم إن القصيدة الواحدة قد رواها عدد مختلف من العلماء الرواة القدماء عن رواة مختلفين من رواة البادية في أماكن مختلفة من بلاد العرب، وفي أحوال يختلف بعضها عن بعض فإذا قدرنا العوارض التي ذكرناها آنفا لم نجد مناصًا من أن يلحق هذه القصيدة ضرب أو ضروب من الاختلاف، فيختلف عدد أبياتها تقديمًا وتأخيرًا، وتختلف نسبتها أحيانًا، فتنسب إلى شاعرين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك، من قبيلة واحدة أو من قبائل مختلفة. بل ربما دخلت في بعض روايتها أبيات لشاعر آخر على وزنها وقافيتها من قبيلته أو غير قبيلته، على قدر ما يتميز به كل راو من الدقة والضبط أو الغفلة والنسيان (١).

قال ابن عبد ربه: وكان خَلفٌ الأحمرُ أَروَى الناسِ للشِّعرِ وَأَعْلَمَهُمْ بِجَيِّدِه. . . . وكان خلف مع روايته وحِفظه يقول الشعر فيُحسن، وينَحله الشعراء. . . وكذلك كان يفعل حمّادٌ الرواية، يَخلط الشعر القديم بأبيات له، قال حماد: ما مِن شاعر إلا قد زِدْتُ في شعره أبياتًا فجازت عليه إلا الأعشى، أعشى بكر، فإني لم أزد في شعره قطُّ غيرَ بيت فأفسدتُ عليه الشعر، قيل له: وما البيتُ الذي أدخلته في شعر الأعشى؟ فقال:

وأنكرتْني وما كان الذي نَكِرتْ ... من الحوادث إلا الشَّيبَ والصلعَا (٢)

وقال السيوطي: قال ابنُ فارس: . . . عن الخليل قال: إن النَّحَارير ربَّما أدخلوا على الناس ما ليس من كلام العرب إرادة اللَّبس والتَّعنيت (٣).

وقال أبو الطيب في مراتب النحويين: أخبرنا محمد بن يحيى، أخبرنا محمد بن يزيد قال: كان خلف الأحمر يُضْرَب به المثلُ في عَمل الشعر، وكان يعمل على ألْسنة الناس فيشبه كلَّ


(١) السابق من صـ ٣٩: صـ ٤٢ ملخصًا بتصرف.
(٢) العقد الفريد ٢/ ٣١٩، وانظر تفاصيل نسبة شعر ابن أخت تأبّط شَرًّا مع ذكر الراجح فيها والفوائد الغزيرة في كتاب نمط صعب ونمط مخيف من صـ ٤٤: صـ ٦١.
(٣) في كتاب "المزهر في علوم اللغة" ١/ ١٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>