للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شعر يقوله بشعر الذي يضَعُه عليه، ثم نَسَك فكان يختم القرآن في كلّ يوم وليلة، فلما نَسك خرج إلى أهل الكوفة فعرَّفهم الأشعار التي قد أدخلها في أشعار الناس فقالوا له: أنتَ كنتَ عندنا في ذلك الوقت أوثقَ منك الساعة فبقي ذلك في دواوينهم إلى اليوم (١).

وقال الصفدي: خلف الأحمر الشاعر صاحب البراعة في الآداب، حمل عنه ديوانه أبو نواس، وتوفي في حدود الثمانين ومائة. وكان راوية ثقة علّامة، لم يكن فيه ما يعاب به إلا أنه كان يعمل القصيدة يسلك فيها ألفاظ العرب القدماء، وينحلها أعيان الشعراء، كـ أبي داود، والإيادي، وتأبَّط شرًا، والشنفرى وغيرهم، فلا يفرَّق بين ألفاظه وألفاظهم، ويرويها جلَّة العلماء لذلك الشاعر الذي نحله إيّاها، فمّما نحله الشّنفرى القصيدة المعروفة بلامية العرب:

أقيموا بني أمي صدور مطيِّكم ... فإني إلى قومٍ سواكم لأميل (٢).

وقال أبو الحسن الجرجاني: وهو يناقش من يعترض عليه بأن شعر المتقدمين كان فيه من متانة الكلام، وجزالة المنطق وفخامة الشعر، ما يصعب معه أن ينسج على منواله، ولو حاول أحد أن يقول قصيدة أو يقرضَ بيتًا يُقارب شعر امرئ القيس وزهير، في فخامته، وقوة أسْره، وصلابة معجَمه لوجده أبعد من العيّوق مُتناولًا، وأصعبَ من الكبريت الأحمر مطلبًا!

فرد على المعترض قائلًا: أحلتك على ما قالت العلماء في حمّاد وخلَف وابن دأْب وأضرابِهم، ممن نحلَ القدماءَ شعره فاندمج في أثناء شعرهم، وغلب في أضعافه، وصعُب على أهل العناية إفرادُه، وتعسّر، مع شدة الصعوبة حتى تكلّف فلْي الدواوين، واستقراءُ القصائد فنُفِي منها ما لعلّه أمتن وأفخم، وأجمع لوجوه الجوْدة وأسباب الاختيار مما أثبت وقُبِل (٣).

إن هذه النقولات تثبت أن وقوع النحل في شعر العرب أمر حاصل، وقد مرَّ كلامُ المتقدمين، الذين عرفوا كلام العرب وأشعارهم، وسبقوا المُحْدَثِينَ والمستشرقين.


(١) المزهر ١/ ١٤٠. ١٣٩ وبعدها فصَّل السيوطي وذكر الأمثلة على هذا المصنوع المنسوب لكبار الشعراء.
(٢) الوافي بالوفيات للصفدي في ترجمة خلف الأحمر: ٤/ ٣٧٤. ومعجم الأدباء لياقوت الحموي: ٤/ ١٧٩.
(٣) الوساطة بين المتنبي وخصومه للجرجاني صـ ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>