للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووعيد وتبشير وتخويف وهو أثناء ذلك يتردد بين الإيجاز والإطناب، فما أجملَ القرآنَ فيما اشتمل عليه من دقة التصوير، وجمال الوصف، مع سمو التعبير، وعظمة التأثير، وروعة الإيجاز وبلاغة التكرار، وليس الشعر يبلغ في هذا فتيلًا (١).

قال أبو بكر العربي: القرآن خرج عن أنواع كلام العرب، وخصوصا عن وزن الشعر؛ ولذلك قال أخو أبي ذر لأبي ذر: "لقد وضعتُ قوله على أقوال الشعراء فلم يكن عليها" (٢)، ولا دخل في بحور العروض الخمسة عشر، ولا في زيادات المتأخرين عليها؛ لأن تلك البحور تخرج من خمس دوائر: إحداها دائرة المختلف ينفك منها ثلاثة أبحر: وهي الطويل، والمديد، والبسيط؛ ثم تتشعب عليها زيادات كلها منفكة. الدائرة الثانية دائرة المؤتلف ينفك منها بحر الوافر، والكامل، ثم يزيد عليها زيادات لا تخرج عنها. . . وهكذا الدوائر الخمس ولقد اجتهد المجتهدون في أن يُجروا القرآن أو شيئا منه على وزن من هذه الأوزان فلم يقدروا، فظهر عند الولي والعدو أنه ليس بشعر (٣).

يقول الطاهر بن عاشور: كيف يكون القرآن شعرًا والشعر كلام موزون مقفّى له معان مناسبة لأغراضه التي أكثرها هزل وفكاهة؟ فأين الوزن في القرآن، وأين التقفية، وأين المعاني التي ينتجها الشعراء، وأين نظم كلامهم من نظمه، وأساليبهم من أساليبه؟


(١) "القرآن معجزة العصور" لمحمد عبد المنعم خفاجي وآخرين من صـ ١١٢: ١١٦ بتصرف. ويقول د. مصطفى مسلم في (مباحث في إعجاز القرآن) صـ ١٤٢: الآية في النظم القرآني ليست بيت شعر، وجملة نثر، ومقطع سجع، بل هي قطعة من القرآن لها بداية ونهاية متضمنة في سورة، ولكل آية مقطع تنتهي به هو الفاصلة، وليست هذه الفاصلة قافية شعر، ولا حرف سجع، وإنما هي شاهد قرآني لا يوجد إلا فيه، ولا يعتدل في كلام غيره.
إن النظم القرآني البديع بهر العرب بحسن مبادئ الآي والمقاطع، وتماسك الكلمات واتساقها في التراكيب؛ بل وجدوا اتساقا بهر العقول وأعجز أهل الحكم والبلاغات، ونظاما والتئاما وإتقانا وإحكاما لم يدع في نفس واحد منهم موضع طمع، حتى خرست الألسن أن تدَّعي وتتقول.
(٢) صحيح مسلم (٦٥١٦)
(٣) أحكام القرآن ٤/ ١٦٠٩، ١٦١٠

<<  <  ج: ص:  >  >>