للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما بني عليه أسلوب القرآن من تساوي الفواصل لا يجعلها موازية للقوافي كما يعلمه أهلُ الصناعة منهم وكُلُّ مَنْ زَاولَ مَبَادِئَ القَافية مِنَ المولدين، ولا أحسبهم دَعوهُ شعرًا إلا تعجلًا في الإِبطال، أو تمويهًا على الإِغفال، فأشاعوا في العرب أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - شاعر، وأن كلامه شعر (١).

الثاني: إن الأشعار الشهيرة ومنها المعلقات - فخر العرب - تخلو من كل قيمة فكرية أو إنسانية أو روحية أو أمر أو نهي أو إرشادٍ إلى خير بخلاف القرآن العظيم، فالأوامر فيه تصل إلى الألف آية وكذلك النواهي، ويحض على فعل كل خير وينهى عن كل شرِّ، ويرشد ويهدي إلى كل صلاح ونفع في الدنيا والآخرة.

وقد ذكر أبو بكر الباقلاني فصلًا جيدًا عن الشعر الحسن الذي يحلو لفظه وتقل فوائده (٢).

وقال الشافعي مرة بمكة: سلوني عما شئتم أخبركم عنه في كتاب الله. فقيل له: ما تقول في المحرم يقتل الزنبور؟ فقال: بسم الله الرحمن الرحيم {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧].

فالقرآن الكريم حوى علمَ الأولينَ والآخرين فهو أصل العلوم كلها، فعلم الكلام من القرآن، وعلم الفقه وأصول الفقه وعلم النحو واللغة، وعلوم مثل التاريخ والطب والجدل وأصول الصنائع وغيرها الكثير. واشتمل على علم الزهد في الدنيا وأخبار الآخرة ومنها أهوال يوم القيامة وأحوال الناس فيه، كما يفصل أخبار مآلهم ففريق في الجنة وفريق في السعير، ثم ينتقل إلى وصف الجنة ونعيم أهلها وإلى وصف النار وجحيم أهلها إلى ما هنالك مما لا يعلم إلا عن طريق الوحي وهذا كثير جدا في القرآن.

يقول القاضي عياض: ومن إعجازه جمعه لعلوم ومعارف لم تعهد العرب عامة ولا محمد - صلى الله عليه وسلم - قبل نبوته خاصة بمعرفتها ولا القيام بها، ولا يحيط بها أحد من علماء الأمم، ولا يشتمل عليها كتاب من كتبهم، فجمع فيه من بيان علم الشرائع، والتنبيه على طرق الحجج العقليات،


(١) التحرير والتنوير ٢٣/ ٥٧، ٥٨ مختصرًا.
(٢) في كتابه إعجاز القرآن صـ ١٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>