للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والرد على فِرَق الأمم ببراهين قوية، وأدلة بينة سهلة الألفاظ، موجزة المقاصد، رام المتحذلقون بعدُ أن ينصبوا أدلة مثلها فلم يقدروا عليها كقوله تعالى: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} [يس: ٨١] وقوله: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس: ٧٩] وقوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: ٢٢] إلى ما حواه من علوم السير، وأنباء الأمم والمواعظ والحكم، وأخبار الدار الآخرة، ومحاسن الآداب والشيم، قال الله جل اسمه: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٣٨]. وقال: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: ٨٩]، وقال: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} [الزمر: ٢٧] (١).

بل إن من خصائص القرآن الإخبار عن مستقبل الناس في الدنيا، وما سيحدث لهم من انتصار وتمكين لبعضهم، أو خزي وذلٍّ لبعض آخر، إلى آخر ما هو ليس في طوق البشر. ومَن تعاطى ذلك من المتنبئين والشعراء افْتُضِحَ فِي حِيْنِه، وما جاء في القرآن كان هو الحق المبين، فَمَنْ أصدقُ مِنَ الله حَدِيثًا. ومن إخبار القرآن عن ذلك وهو كثير قوله تعالى: {الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٥)} [الروم: ١ - ٥]. (٢)


(١) الشفا ١/ ٢٧٧.
(٢) يقول الزرقاني في مناهل العرفان ٢/ ٣٠٧، ٣٠٨: معنى هذا أن القرآن قد اشتمل على أخبار كثيرة من الغيوب التي لا علم لمحمد - صلى الله عليه وسلم - بها، . . .، من ذلك قصص عن الماضي البعيد المتغلغل في أحشاء القدم، وقصص عن الحاضر الذي لا سبيل لمحمد إلى رؤيته ومعرفته فضلا عن التحدث به، وقصص عن المستقبل الغامض الذي انقطعت دونه الأسباب وقصرت عن إدراكه الفراسة والألمعية والذكاء. وسر الإعجاز في ذلك كله أنه وقع كما حدث وما تخلف وجاء على النحو الذي أخبر به في إجمال ما أجمل وتفصيل ما فصل، وأنه إن اخبر عن غيب الماضي صدقه ما شهد به التاريخ، وإن أخبر عن غيب الحاضر صدقه ما جاء به الأنبياء وما يجد في العالم من تجارب وعلوم، وإن أخبر عن غيب المستقبل صدقه ما تلده الليالي وما تجيء به الأيام.

<<  <  ج: ص:  >  >>