للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا القرآن قد جاء بما حدث من عظيمات الأمور، ومهمات السير من بدء الخليقة إلى حين بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - مع كونه - صلى الله عليه وسلم - أميا لا يعرف شيئا من كتب السابقين وأنبائهم.

فالقرآن ليس كتاب قصص، وليس كتاب متعة وتسلية على نحو دواوين الشعراء فهو ليس شعرا أو أدبا أو حكمة أو تاريخًا أو اجتماعا، إنما هو خلاصة لكل ما في الحياة من حقائق ومعارف وعلوم وثقافات، ومنهج كامل لكل جانب من جوانب الحياة الروحية والعقلية والاجتماعية والسياسية، فهو كتاب الإنسانية كلها، وصحيفة البشرية قاطبة (١).

يقول السيوطي: قد اشتمل كتاب الله العزيز على كل شيء؛ أما أنواع العلوم فليس منها باب ولا مسألة هي أصل إلا وفي القرآن ما يدل عليها (٢).

وظهر أثر هذا الأمر في القرآن في المجتمعات التي سلَّمت له وآمنت به، كيف أثَّر فيها وغير من الأخلاق الرديئة، وأرسى الأخلاق الحميدة مع الدعوة إلى الحق والعدل والعلم، ورسم المثل الإنسانية العليا وأهداف الأفراد والشعوب وتحديد الفلاح في الدنيا والآخرة.

الثالث: هذه القصائد الجاهلية العالية الحبْك والصياغة، لا تخلو من أخطاء تندُّ عن


فمن غيوب الماضي أن يخبر عن تلك القصص الرائعة للأنبياء إخبار مَن حضرها قال تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: ٤٩] كذكر بدء الخلق وقصص أصحاب الكهف وذي القرنين، ومن غيوب الحاضر ما يتصل بالله تعالى والملائكة والجن وفضح المنافقين في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم -. ومن غيوب المستقبل إخبار القرآن عن الروم بأنهم سينتصرون في بضع سنين، وبأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لن يُقتل؛ لأن الله عاصمه كما قال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} وتحققت نبوءة القرآن فلم يتمكن أحد من أعدائه أن يقضي عليه مع كثرة عددهم ووفرة استعدادهم، وإخبار القرآن عن القرآن بأنه لن يُحرَّف قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ولم يحدث مع تطاول السنين ولن يحدث، وما جاء في مقام التحدي بأن الإنس والجن لن يأتوا بمثل القرآن قال - عز وجل -: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} ولم يحدث أن جاء أحد بمثل سورة منه. بتصرف.
وهذا بخلاف المعجزات التي يكشف عنها العلم الحديث من وقت لآخر، وتفصيلها في باب الإعجاز من هذه الموسوعة.
(١) "القرآن معجزة العصور" لمحمد عبد المنعم خفاجي وآخرين صـ ١١٤.
(٢) انظر الإتقان للسيوطي ٤/ ٢٥: ٣٣ ففيه تفصيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>