للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشاعر، ومن ذلك ما ذكره أبو بكر الباقلاني إذ درس في كتابه (١) معلقة امرئ القيس المشهورة فأبان ما اشتملت عليه من أخطاء لغوية وفنية وغيرها.

قال ابن عطية: فالله تعالى قد أحاط بكل شيء علمًا، وأحاط بالكلام كله علما، فإذا ترتبت اللفظة من القرآن علم بإحاطته أي لفظة تصلح أن تلي الأولى وتبين المعنى بعد المعنى، ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره، والبشر معهم الجهل والنسيان والذهول، ومعلوم ضرورة أن بشرا لم يكن قط محيطا، فبهذا جاء نظم القرآن في الغاية القصوى من الفصاحة، . . .، ويظهر لك قصور البشر في أن الفصيح منهم يصنع خطبة أو قصيدة يستفرغ فيها جهده، ثم لا يزال ينقحها حولا كاملا، ثم تعطي لآخر نظيره فيأخذها بقريحة جامة فيبدل فيها وينقح ثم لا تزال كذلك فيها مواضع للنظر والبدل، كتاب الله لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب في أن يوجد أحسن منها لم يوجد. ونحن تبين لنا البراعة في أكثره ويخفى علينا وجهها في مواضع لقصورنا عن مرتبة العرب يومئذ في سلامة الذوق وجودة القريحة وميز الكلام (٢).

الرابع: فصاحة العرب أكثرها في وصف مشاهدات، مثل وصف بعير أو فرس أو جارية أو ملك أو ضربة أو طعنة أو وصف حرب أو وصف غارة، وليس في القرآن من هذه الأشياء شيء فكان يجب أن لا تحصل فيه الألفاظ الفصيحة التي اتفقت العرب عليها في كلامهم (٣).

الخامس: أنه تعالى راعى فيه طريقة الصدق، وتنزه عن الكذب في جميعه، وكل شاعر ترك الكذب والتزم الصدق نزل شعره ولم يكن جيدًا، ألا ترى أن لبيد بن ربيعة وحسان بن ثابت لما أسلما نزل شعرهما ولم يكن شعرهما الإسلامي في الجودة كشعرهما الجاهلي، فالشعر يعتمد على المبالغة والتهويل حتى قالوا أعذب الشعر أكذبه، وليس شيء من هذا في القرآن الكريم، وكيف يكون ذلك وهو كلام الله وحده لا كلام مخلوق سواه؟ !


(١) إعجاز القرآن من صـ ٢٤١: ٣٢٢
(٢) المحرر الوجيز لابن عطية الأندلسي ١/ ٤٩.
(٣) من النقطة الرابعة إلى الثامنة في هذا الوجه من التفسير الكبير للفخر الرازي ٢/ ١١٥، ١١٦ بتصرف وزيادات.

<<  <  ج: ص:  >  >>