للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول القلقشندي: لم ينزل الله القرآن على صفة نظم الشعر؛ بل نزهه عنه بقوله: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (٤١)} [الحاقة: ٤١] وحرم نظمه على نبيه محمد؛ تشريفا لمحله وتنزيها لمقامه منبها على ذلك بقوله: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: ٦٩]؛ وذلك أن مقاصد الشعر لا تخلو من الكذب، والتحويل على الأمور المستحيلة، والصفات المجاوزة للحد، والنعوت الخارجة عن العادة، وقذف المحصنات، وشهادة الزور، وقول البهتان، وسب الأعراض، وغير ذلك مما يجب التنزه عنه لآحاد الناس، فكيف بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ولا سيما الشعر الجاهلي الذي هو أقوى الشعر وأفحله؟ (١).

وقال الراغب: قال بعض الكفار عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: إنه شاعر! فقيل: لِما وقع في القرآن من الكلمات الموزونة والقوافي، وقيل: أرادوا أنه كاذب، لأنه أكثر ما يأتي به الشاعر كذب، ومِنْ ثَمَّ سموا الأدلة الكاذبة شعرا، وقيل في الشعر: أحسنه أكذبه ويؤيد ذلك قوله تعالى: {وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (٢٢٦)} (٢).

السادس: إن الكلام الفصيح البليغ إنما يتفق في القصيدة: في البيت والبيتين والباقي لا يكون، وليس كذلك القرآن؛ لأنه كله فصيح بحيث يعجز الخلق عنه كما عجزوا عن جملته.

يذكر الباقلاني فصاحة القرآن فيقول: ليس للعرب كلام مشتمل على هذه الفصاحة والغرابة، والفوائد الغزيرة والحكم الكثيرة، والتناسب في البلاغة والتشابه في البراعة على هذا الطول وعلى هذا القدر، وإنما تنسب إلى حكيمهم كلمات معدودة وألفاظ قليلة، وإلى شاعرهم قصائد محصورة يقع فيها ما نبينه بعد هذا من الاختلال، ويعترضها ما نكشفه من الاختلاف، ويشملها ما نبديه من التعمل والتكلف والتجوز والتعسف، وقد حصل القرآن على كثرته وطوله متناسبا في الفصاحة على ما وصفه الله تعالى به فقال عز من قائل: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ


(١) صبح الأعشى في صناعة الإنشا ١/ ٩١.
(٢) فتح الباري ١٠/ ٥٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>