للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يستطع أحد أن يأتي بمثل ما قال؛ لأنه يمكن للمخالفين أن يجتمعوا فيألفوا قرآنا، ومعلوم أن الجماعة تبدع وتبتكر أكثر من الإنسان الواحد.

ولنا أن نتسائل كيف يكون القرآن الكريم قد أخذ من الشعر؟ فمن هو الآخذ، ومن هو الشاعر المأخوذ من شعره، وأين هذا المأخوذ، وكيف كان الأخذ ومتى حدث؟

بل يستحيل في العقل وفي العادة أن يكون على فرض أولئك الأقوام أن يكون الله تعالى خالق الكون والإنس والجن ولغاتهم هو الآخذ، فهم لا يعنون بذلك إلا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أخذ من شعر العرب الجاهليين الأميين، والقرآن حاوي العلوم جميعها فلا يكون الجهل مصدرا للعلم أبدا ومن هو المأخوذ منه؟ يقولون: امرؤ القيس فيكون بعد ذلك يقول فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم -: هو حامل لواء الشعراء إلى النار. وكيف هي المؤهلات التي عند امرئ القيس وشعره حتى يؤخذ منه القرآن وإن شعره مليء بالغريب والأخطاء الفنية والأدبية على نحو ما ذكر الباقلاني في إعجاز القرآن (١)، بل قد مَرَّ في الوجه التاسع أنَّ اقتباسَ القرآن من الشعر يستحيل للبعد الشاسع بينهما في الموضوعات والمعاني والأسلوب وفي كل شيء.

ثم أين هو شعر امرئ القيس؟ يقول الأصمعي: كل شيء في أيدينا من شعر امرئ القيس فهو عن حماد الراوية إلا نتفًا سمعتها من الأعراب وأبي عمرو بن العلاء.

فما نحل عليه كثير وكل الذي نحل عليه هو مما صنعه المولدون في عصور الإسلام فاقتبسوا في الشعر المنحول بعض آيات وكلمات القرآن الكريم.

ولو قلنا إن غرض هؤلاء الملفقين لهذه الشبهات التحري والوصول إلى الحقيقة خدمة للإنسانية ووقع لهم أن هذه الأبيات لامرئ القيس، فَلِمَ جزموا أنها للشاعر الجاهلي والقرآن كلام رب العالمين قد أخذ منها ولم يسألوا أنفسهم أنها ربما كانت لشاعر إسلامي اسمه (امرئ القيس) قد أخذ واقتبس في أبياته ألفاظ القرآن الكريم على عادة كثير من الشعراء الإسلاميين.


(١) إعجاز القرآن (١٥٨: ١٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>