للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نحن المسلمين نعتقد أن دين النصارى قد حُرِّف (١)، فكان ممن يريد اتباع الحق من النصارى يتلاشى ما يغلب على ظنه أن به تحريفًا، ويتبع ما كان يوافق منهج الأنبياء في التوحيد والإصلاح وما يصل إليه من خلال بحثه فيعتقد أنه الحق الذي لم يحرف.

قال المناوي: والظاهر أن ورقة لم يكن متمسكًا بالمبدل من النصرانية بل بالصحيح منها الذي هو الحق (٢).

قال عبد القادر البغدادي: وحاصل ما ذكره البقاعيِّ في شأن ورقة بن نوفل: أنه ممن وحّد الله في الجاهلية، فخالف قريشًا وسائر العرب في عبادة الأوثان وسائر أنواع الإشراك، وعرف بعقله الصحيح أنهم أخطئوا دين أبيهم إبراهيم الخليل - عليه السلام -، ووحّد الله تعالى واجتهد في تطلب الحنيفية دين إبراهيم - عليه السلام - ليعرف أحب الوجوه إلى الله تعالى في العبادة.

فلم يكتف بما هداه إليه عقله، بل ضرب في الأرض ليأخذ علمه عن أهل العلم بكتب الله المنزلة من عنده، الضابطة للأديان، فأداه سؤاله أهلَ الذكر الذين أمر الله بسؤالهم إلى أن اتبع الدين الذي أوجبه الله في ذلك الزمان، وهو الناسخ لشريعة موسى - عليه السلام - دين النصرانية، ولم يتبعهم في التبديل؛ بل في التوحيد، وصار يبحث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي بشر به موسى وعيسى - عليهما السلام (٣).

وحتى لو كان ورقة أبيوني المذهب فهل هذا هو الداعي لكرهه للنصارى؛ حيث إنه كتب ما يسبهم في القرآن - كما تدعون - فللرد على ذلك نقول:

١ - القرآن ذمَّ أناسًا من النصارى ومدح أناسًا آخرين منهم؛ فهذا يدل على إنصاف القرآن، وأن ورقة لو كان هو الذي كتبه لتعرض بالسب واللعن لهم جميعًا بسبب أو بدون سبب لينصر مذهبه؛ قال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ


(١) انظر بحث (تحريف الكتاب المقدس) في هذه الموسوعة.
(٢) فيض القدير ٦/ ٤٠١.
(٣) خزانة الأدب ١/ ٤٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>