للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به، كما فعل عبد الله بن سَلَام، وكقول ورقة بن نوفل: "هذا الناموس الذي أنزل على موسى"، وهو أيضًا مغاير للنصر؛ لأن النصر هو الإعانة في الحرب بالسلاح، ومن أجل ذلك عطف عليه (ونصروه).

الوجه الثالث: هناك قساوسة علموا بإرهاصات تدل على أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - سيكون هو النبي الخاتم، فلذلك تركوا الأمور تجري كما يريد الله لنبيه واكتفوا بالبشارة بكونه النبي الخاتم، فلماذا لم يصنعوا من الحِيل كما صنع ورقة - كما تزعمون - ليستغلوا فرصة الشهرة ليشير الناس إليهم بأنهم هم الذين صنعوا النبي محمدًا - صلى الله عليه وسلم -؟ .

قال ابن سيد الناس: وروينا عن أبي الربيع بن سالم قال: وذكر الواقدي بإسناد له إلى نفيسة بنت منية أخت يعلى بن منية، قال: وقد رويناه أيضًا من طريق أبى على بن السكن، وحديث أحدهما داخل في حديث الآخر مع تقارب اللفظ، وربما زاد أحدهما الشيء اليسير على الآخر، وكلاهما ينمي إلى نفيسة قالت: "فخرج محمد مع غلام خديجة ميسرة حتى قدم الشام، فنزلا في سوق بصرى في ظل شجرة قريبًا من صومعة راهب يقال له: نسطورا، فاطلع الراهب إلى ميسرة وكان يعرفه، فقال: يا ميسرة، من هذا الذي نزل تحت هذه الشجرة؟ فقال ميسرة: رجل من قريش من أهل الحرم، فقال له الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبي، ثم قال له: في عينيه حمرة؟ قال ميسرة: نعم، لا تفارقه، قال الراهب: هو هو، وهو آخر الأنبياء، ويا ليت أني أدركه حين يؤمر بالخروج، فوعى ذلك ميسرة، ثم حضر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سوق بصرى فباع سلعته التي خرج بها واشترى، فكان بينه وبين رجل اختلاف في سلعة، فقال الرجل: احلفْ باللات والعزى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما حلفت بهما قط، فقال الرجل: القول قولك، ثم قال لميسرة وخلا به: يا ميسرة، هذا نبي والذي نفسي بيده، وإنه لهو تجده أحبارنا منعوتا في كتبهم فوعى ذلك ميسرة" (١).

الوجه الرابع: من ذكر أن ورقة عاش لِما بعد البعثة، فإذا افترضنا صحة ذلك؛ فإنه لم


(١) عيون الأثر ١/ ٦٩؛ ذكر سفره - صلى الله عليه وسلم - إلى الشام مرة ثانية وتزويجه خديجة، الروض الأنف ١/ ٣٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>