إن هذا القول ما هو إلا سراب وأوهام ألقاها الشيطان في قلوب أعداء الدين، فبنوا أقوالهم على غير أصل، وكذبوا كذبة ثم صدقوها، وعلى أساسها وقعت الشبهة عندهم، ووالله لولا أن بعض هؤلاء نطق بهذا السخف وشغّب به ما كنا نلتفت إلى رده وقمعه، ولكن ماذا نصنع مع قلوب عمي، وآذان صم، ورحم الله من قال:
وليس يصح في الأذهان شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل.
الوجه الثاني: هل أبو طالب مكلف من ورقة لإقناع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالزواج من خديجة؟
فإن أبا طالب كان مشركًا، كيف بمشرك يحقق الأهداف التي يرمي إليها القس ورقة لتنصير محمد - صلى الله عليه وسلم -، هل القساوسة يحققون أهدافهم الدينية عن طريق المشركين؟ ! نعم، قد يساعدك مشرك في أمور الدنيا، ولكن لا يمكن أن يشاركك أهدافك الدينية وغاياتك الأساسية، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقبل أن يشاركه أحد المشركين في الجهاد، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكلف أبا طالب بالدفاع عنه، ثم دفاعه هذا لم يقصد به دفاعًا عن الدين ولكنه كان دفاعًا عن العصبية.
الوجه الثالث: قول أبي طالب: (وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل).
يدل على أن أبا طالب كان يتفرس في النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه سيكون له شأنٌ عظيمٌ؛ بغض النظر عن هذا الشأن أنه سيكون له بسبب كونه سيصير نبيًا أو ملكًا أو غير ذلك.
ففي هذه الرواية - بافتراض صحتها - ليس فيها تخصيص صريح بأن هذا الشأن هو النبوة؛ لذلك لا نستطيع أن نبني عليه حكمًا.
* أبو طالب كان يتفرس في النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه سيكون له شأنٌ عظيمٌ منذ صغره، فمن العرب من كان يتفرس في المولود الرضيع مثل تفرس الأعرابي في معاوية أنه سيكون مَلِكًا.
ولعل أوضح مثال على ذلك تفرس عبد المطلب في أنه سيكون للنبي شأنٌ، فقد كان يجلسه على أريكته ولم يفعل ذلك مع أولاده لا في صغرهم ولا كبرهم.