قال ابن إسحاق: حدثني العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله قال: كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة وكان لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالًا له، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتي حتى يجلس عليه، فيذهب أعمامه يؤخرونه فيقول جده: دعوا ابني، فيمسح ظهره ويقول: إن لابني هذا لشأنًا.
وروى أبو نعيم عن ابن عباس - رضي الله عنه - مثله؛ وزاد: دعوا ابني يجلس فإنه يحس من نفسه بشيء، وأرجو أن يبلغ من الشرف ما لم يبلغه عربي قبله ولا بعده.
وروى ابن سعد وابن عساكر عن الزهري ومجاهد ونافع وابن جبير قالوا: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجلس على فراش جده فيذهب أعمامه ليؤخروه فيقول عبد المطلب: دعوا ابني ليؤنس ملكًا. وقال قوم من بني مدلج لعبد المطلب: احتفظ به فإنا لم نرَ قدمًا أشبه بالقدم التي في المقام منه. وقال عبد المطلب لأم أيمن: يا بركة احتفظي به، لا تغفلي عنه؛ فإن أهل الكتاب يزعمون أنه نبي هذه الأمة (١).
فهل عبد المطلب ومن كان من قوم بني مدلج: كلهم متواطئون مع ورقة بن نوفل.
الوجه الرابع: سبب عمل النبي - صلى الله عليه وسلم - عند خديجة.
عمل النبي - صلى الله عليه وسلم - عند خديجة لا لأنه يريد الزواج منها، ولا لأن أبا طالب ألحَّ عليه لخطة مرسومة؛ ولكن لضعف الحالة الاقتصادية في مكة، مما ألجأ الكثير من أهلها للعمل في التجارة؛ قال تعالى: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ} [قريش ١: ٢]، فما كان لمحمد - صلى الله عليه وسلم - أن يظل مشتغلًا بالرعي تلك المهنة قليلة الدخل التي يستطيع الطفل أن يشتغل بها، لذلك نرى كثيرًا من أطفال أهل البادية يسرحون بقطيع من الغنم ولا يجدون صعوبة بالغة في ذلك.
(١) أخرجه ابن سعد في الطبقات ١/ ٧٠، دلائل النبوة لأبي نعيم ١/ ١١٩، الخصائص الكبرى للسيوطي ١/ ١٣٧، سبل الهدى والرشاد ٢/ ١٢٩ في كفالة عبد المطلب.