للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن أم سعد بن الربيع عن نفيسة بنت أمية أخت يعلى سمعتها تقول: لما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسًا وعشرين سنة وليس له بمكة اسم إلا الأمين؛ لما تكاملت فيه من خصال الخير. قال له أبو طالب: يا ابن أخي أنا رجل لا مال لي، وقد اشتد الزمان علينا، وألحت علينا سنون منكرة ليس لنا مادة ولا تجارة، وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام، وخديجة بنت خويلد تبعث رجالًا من قومك في عيراتها؛ فيتجرون لها ويصيبون منافع، فلو جئتها فعرضت نفسك عليها لأسرعت إليك وفضلتك على غيرك؛ لما يبلغها من طهارتك، وإني كنت لأكره أن تأتي الشام وأخاف عليك من اليهود، ولكن لا نجد من ذلك بدًا، وكانت خديجة امرأة تاجرة ذات شرف ومال كثير وتجارة، وتبعث بها إلى الشام فيكون عيرها كعامة عير قريش، وكانت تستأجر الرجل وتدفع إليه المال مضاربة، وكانت قريش قومًا تجارًا من لم يكن تاجرًا فليس عندهم بشيء، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فلعلها أن ترسل إليَّ في ذلك. قال أبو طالب: إني أخاف أن تُولي غيرك؛ فتطلب أمرًا مدْبرًا، فافترقا فبلغ خديجة ما كان من محاورة عمه له، وقبل ذلك ما قد بلغها من صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه، فقالت: ما دريت أنه يريد هذا، ثم أرسلت إليه فقالت: إنه قد دعاني إلى البعثة إليك ما بلغني من حديثك وعظم أمانتك وكرم أخلاقك، وأنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلًا من قومك، ففعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلقي أبا طالب فقال له ذلك فقال: إن هذا لرزق ساقه الله إليك (١).

الوجه الخامس: ورد في السيرة أن أبا طالب قال لخديجة لما أخبرته بعزمها الزواج من سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -: أن خديجة - رضي الله عنها - قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: اذهب إلى عمك فقل له: عجل إلينا بالغداة، فلما جاء قالت له: يا أبا طالب، ادخل على عمروٍ عمي فكلمه يزوجني من ابن أخيك محمد بن عبد الله، فقال أبو طالب: يا خديجة لا تستهزئي، فقالت: هذا صنع الله، فقام أبو طالب مع عشرة من قومه (٢).

فقول أبي طالب: يا خديجة لا تستهزئي دليل على أنه لم يكن من (المخططين) لهذا الزواج.


(١) دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني ١٠٥، نهاية الأرب في فنون الأدب ٤/ ٢٤٢، عيون الأثر لابن سيد الناس ١/ ٦٩؛ ذكر سفره - صلى الله عليه وسلم - إلى الشام مرة ثانية وتزويجه خديجة.
(٢) السيرة الحلبية ١/ ٢٢٦، سبل الهدى والرشاد ٢/ ١٦٤ (الباب الرابع عشر في نكاحه - صلى الله عليه وسلم - خديجة بنت خويلد.

<<  <  ج: ص:  >  >>