للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا كان محمد نصرانيًا، وإذا كان المجتمع نصرانيًا، فلماذا حدث العداء، فلم يصدِّقوه بل حاربوه، حتى إن القبائل النصرانية بالجزيرة العربية - التي يشهد التاريخ الصحيح بأنها نصرانية - لم تنطوِ له بسهولة.

الوجه الخامس: الحركة الدينية اليهودية والنصرانية في مكة لم تكن مزدهرة؛ بل كان الشرك هو المسيطر: لم يظهر بين يهود الجزيرة العربية مَنْ اشتهر بعلم أو فقه أو فلسفة، وهذا يدل بالضرورة على عدم ازدهار الحركة الفكرية والثقافية عندهم، فهم آثروا البقاء منعزلين عن العالم، مكتفين بأبسط أنواع الحياة (١).

الوجه السادس: من الأدلة على ضعف الحركة الدينية اليهودية والنصرانية في مكة عدم استغلال النصارى للشعر لتقوية موقفهم في مكة ونشر دينهم، فإن هذا كان أهم وسيلة لنشر دينهم، فلا يختلف الشعر النصراني عن شعر الشعراء الوثنيين بشيء، فمن الصعب على الباحث أن يجد فرقًا كبيرًا بين شعر الشعراء النصارى وشعر الشعراء الوثنيين، ولهذا ذهب بعض المستشرقين إلى أن من الصعب التحدث عن وجود شعر نصراني عربي له ميزات امتاز بها عن الشعر الوثني قبل الإسلام (٢).

الوجه السابع: من حكمة الله تعالى وتقديره، أنه لم يُعلم في مكة يهودي واحد، واليهود استقبلوا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بعد الهجرة بالعداوة صراحة.

الوجه الثامن: لم يكن في مكة أي كتاب ديني مدون، ولا مدرسة، ولا فلاسفة كما كانت عليه حضارات اليونان والصين وفارس والهند. كما أنه لم يُعرف عن اليهود في كل الجزيرة العربية نبوغٌ فكريٌ ورقيٌ حضاريٌ، وفاقد الشيء لا يعطيه.

ولم يكن النصارى أحسن حالًا منهم، بل كانوا لا يملكون حتى التميز بشعر خاص بهم - على الأقل -، وهذا ما يؤكده المستشرقون من أتباع دينهم.

* * *


(١) انظر العرب قبل الإسلام د/ جواد علي ٦/ ٨، ود/ إسرائيل ولفنسون؛ تاريخ اليهودية في بلاد العرب ٤٢.
(٢) انظر العرب قبل الإسلام د/ جواد علي.

<<  <  ج: ص:  >  >>