قال محمد بن إسحاق: وكان أبو طالب هو الذي يلي أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد جده كان إليه ومعه، ثم إن أبا طالب خرج في ركب إلى الشام تاجرًا، فلما تهيأ للرحيل وأجمع السير ضب به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ بزمام ناقته، وقال:"يا عم، إلى من تكلني؟ لا أب لي ولا أم لي"، فرق له أبو طالب، وقال: والله لأخرجن به معي، ولا يفارقني ولا أفارقه أبدًا، أو كما قال، قال: فخرج به معه، فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام، وبها راهب يقال له: بحيراء في صومعة له، وكان أعلم أهل النصرانية، ولم يزل في تلك الصومعة قط راهب يصير علمهم عن كتاب فيه، فيما يزعمون، يتوارثونه كابرا عن كابر فلما نزلوا ذلك العام ببحيراء، وكانوا كثيرا مما يمرون به قبل ذلك لا يكلمهم ولا يعرض لهم حتى إذا كان ذلك العام، نزلوا به قريبا من صومعته، فصنع لهم طعامًا كثيرًا، وذلك فيما يزعمون، عن شيء رآه وهو في صومعته في الركب حين أقبلوا وغمامة بيضاء تظله من بين القوم، ثم أقبلوا حتى نزلوا بظل شجرة قريبا منه، فنظر إلى الغمامة حتى أظلت الشجرة وشمرت أغصان الشجرة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى استظل تحتها، فلما رأى ذلك بحيراء نزل من صومعته، وقد أمر بذلك الطعام فصنع، ثم أرسل إليهم فقال: إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش، وأنا أحب أن تحضروا كلكم، صغيركم وكبيركم، وحركم وعبدكم فقال له رجل منهم: يا بحيراء، إن لك اليوم لشأنًا ما كنت تصنع هذا فيما مضى، وقد كنا نمر بك كثيرا فما شأنك اليوم؟ فقال له بحيراء: صدقت، قد كان ما تقول، ولكنكم ضيف، وقد أحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاما تأكلون منه كلكم فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بين القوم لحداثة سنه في رحال القوم تحت الشجرة. فلما نظر بحيراء في القوم ولم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده، فقال: يا معاشر قريش، لا يتخلف أحد منكم عن طعامي هذا، فقالوا له: يا بحيراء ما تخلف عنك أحد ينبغي له أن يأتيك إلا غلام وهو أحدث القوم سنًا، تخلف في رحالهم قال: فلا تفعلوا، ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم فقال رجل من قريش مع القوم: واللات والعزى، إن هذا للؤم بنا أن يتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب