للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن الطعام من بيننا. قال: ثم قام إليه فاحتضنه، ثم أقبل به حتى أجلسه مع القوم فلما رآه بحيراء جعل يلحظه لحظًا شديدًا، وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده في صفته حتى إذا فرغ القوم من الطعام وتفرقوا، قام بحيراء فقال له: يا غلام، أسألك باللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك عنه، وإنما قال له بحيراء ذلك؛ لأنه سمع قومه يحلفون بهما وزعموا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له: لا تسلني باللات والعزى شيئًا، فوالله ما أبغضت بغضهما شيئًا قط. فقال له بحيراء: فبالله إلا أخبرتني عما أسألك عنه، فقال: سلني عما بدا لك، فجعل يسأله عن أشياء من حاله من نومه وهيئته وأموره، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيراء من صفته، ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده قال: فلما فرغ منه أقبل على عمه أبي طالب، فقال له: هل هذا الغلام منك؟ فقال: ابني، فقال له بحيراء: ما هو بابنك، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيًا، قال: فإنه ابن أخي. قال: فما فعل أبوه؟ قال: مات، وأمه حبلى به. قال: صدقت. قال: ارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه اليهود، فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبْغُنَّه شرًا، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن، فأسرع به إلى بلاده فخرج به عمه أبو طالب سريعا حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام فزعموا فيما يتحدث الناس أن زبيرًا وثمامًا ودريسًا، وهم نفر من أهل الكتاب، قد كانوا رأوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك السفر الذي كان فيه مع عمه أبي طالب أشياء، فأرادوه فردهم عنه بحيراء، وذكرهم الله، وما يجدون في الكتاب من ذكره وصفته، وأنهم إن أجمعوا بما أرادوا لم يخلصوا إليه حتى عرفوا ما قال لهم وصدقوه بما قال، فتركوه وانصرفوا وقال أبو طالب في ذلك أبياتًا منها:

فما رجعوا حتى رأوا من محمد ... أحاديث تجلو غم كل فؤاد

وحتى رأوا أحبار كل مدينة ... سجودا له من عصبة وفراد

زريرا وتماما وقد كان شاهدا ... دريسا وهمو كلهم بفساد

فقال لهم قولا بحيرى وأيقنوا ... له بعد تكذيب وطول بعاد

<<  <  ج: ص:  >  >>