قال ابن عطية: وهذه القراءات لا تخلو كل واحدة منها أن تكون من النسء أو الإنساء بمعنى التأخير، أو تكون من النسيان. والنسيان في كلام العرب يجيء في الأغلب ضد الذكر، وقد يجيء بمعنى الترك، فالمعاني الثلاثة مقولة في هذه القراءات، فما كان منها يترتب في لفظة النسيان الذي هو ضد الذكر.
فمعنى الآية: ما ننسخ من آية أو نقدر نسيانك لها فتنساها حتى ترتفع جملة وتذهب فإنا نأتي بما هو خير منها لكم أو مثله في المنفعة، وما كان من هذه القراءات يحمل على معنى الترك فإن الآية معه تترتب فيها أربعة معان:
أحدها: ما ننسخ على وجوه النسخ أو نترك غير منزل عليك فإنا لا بد أن ننزل رفقًا بكم خيرًا من ذلك أو مثله حتى لا ينقص الدين عن حد كماله.
والمعنى الثاني: أو نترك تلاوته وإن رفعنا حكمه فيجيء النسخ على هذا رفع التلاوة والحكم.
والمعنى الثالث: أو نترك حكمه وإن رفعنا تلاوته فالنسخ أيضًا، على هذا رفع التلاوة والحكم.
والمعنى الرابع: أو نتركها غير منسوخة الحكم ولا التلاوة، فالنسخ على هذا المعنى هو على جميع وجوهه، ويجيء الضميران في {مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} عائدين على المنسوخة فقط، وكان الكلام إن نسخنا أو أبقينا فإنا نأتي بخير من المنسوخة أو مثلها.
(١) التسهيل لتأويل التنزيل تفسير سورة البقرة (٢/ ١٨٦)، تفسير الطبري (١/ ٤٧٩)، الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها (١/ ٢٥٨)، النكت والعيون (١/ ١٧١).