للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سيبويه (١) له، فقال - أعني الداني -: والإسكان أصح في النقل وأكثر في الأداء وهو الذي أختاره وآخذ به. ثم لما ذكر نصوص رواته قال: وأئمة القراء لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في العربية؛ بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل والرواية، إذا ثبت عنهم لم يردها قياس عربية ولا فشو لغة؛ لأن القراءة سنَّة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها. (٢)، وكما قال صاحب حرز الأماني: والمقصود بموافقة العربية موافقة ما كان مستعملًا في زمن النزول ولو كان أقل شيوعًا من غيره، وليس المقصود موافقة القواعد النظرية المجردة، حيث إن العلماء استمدوها من القرآن الكريم؛ لأنه أفصح الكلام قاطبة ثم من بقية كلام العرب، وقد حدث ذلك بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - واكتمال نزول القرآن، وعليه فالقرآن سابق لتدوين القواعد ولا يمكن للاحق أن يكون حكمًا على السابق، وفي هذا رد على شبهة أذاعها أعداء الدين وتبعهم بعض المتشككين الجاهلين.

الضابط الثاني: أن توافق القراءة أحد المصاحف العثمانية التي أمر عثمان - رضي الله عنه - بكتابتها وإرسالها إلى الأمصار على خلاف في عددها، وقد تمت كتابة هذه المصاحف بأمر من عثمان - رضي الله عنه -؛ سدًا للفتنة التي ظهرت بوادرها، ورأي طرفًا منها حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - في فتح أرمينية فأفزعه ما رأى، فأشار على عثمان أن يتدارك الأمر (٣).

يقول ابن الجزري: ويعني بموافقة أحد المصاحف ما كان ثابتًا في بعضها دون بعض كقراءة ابن عامر (٤)، قالوا {اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} في البقرة بغير واو {وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} بزيادة الباء في الاسمين ونحو ذلك، فإن ذلك ثابت في المصحف الشامي، وكقراءة ابن كثير {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} في الموضع الأخير من سورة براءة بزيادة (من) فإن ذلك ثابت في المصحف المكي (٥).


(١) هو أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر صاحب الكتاب وتلميذ الخليل توفي سنة ١٨٠ هـ.
(٢) جامع البيان لأبي عمرو الداني (٢/ ٥ ب). وانظر: النشر في القراءات العشر لابن الجزري ١/ ٢٠.
(٣) الحديث بطوله أخرجه البخاري (٤٩٨٧).
(٤) هو عبد الله بن عامر اليحصبي: أحد القراء السبعة أخذ القراءة عن المغيرة ابن أبي شهاب المخزومي عن عثمان - رضي الله عنه -، إمام القراءة بالشام. توفي ١١٨ هـ
(٥) انظر النشر ١/ ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>