للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول الثاني: صحة السند والاستفاضة والقبول من جموع الأمة من غير نكير، وهذا ما ذهب إليه ابن الجزري ونسبه إلى بعض المتقدمين من أهل العلم، قال ابن الجزري: وقولنا: وصح سندها فإنا نعني به: أن يروي تلك القراءة العدلى الضابط عن مثله كذا حتى تنتهي، وتكون مع ذلك مشهورة عند أئمة هذا الشأن الضابطين له غير معدودة عندهم من الغلط أو مما شذ بهما بعضهم، وقد شرط بعض المتأخرين التواتر في هذا الركن ولم يكتف فيه بصحة السند، وزعم أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر وأن ما جاء مجيء الآحاد لا يثبت به قرآن.

وتعقب أصحاب القول الأول بقوله: هذا مما لا يخفى ما فيه؛ فإن التواتر إذًا لا يحتاج فيه إلى الركنين الآخرين من الرسم وغيره؛ إذ ما ثبت من أحرف الخلاف متواترًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجب قبوله، وقطع بكونه قرآنًا سواء وافق الرسم أم خالفه، وإذا اشترطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف انتفى كثير من أحرف الخلاف الثابت عن هؤلاء الأئمة السبعة وغيرهم. ولقد كنت قبلُ أجنح إلى هذا القول ثم ظهر فساده وموافقة أئمة السلف والخلف. قال الإمام الكبير أبو شامة في مرشده: وقد شاع على ألسنة جماعة من المقرئين المتأخرين وغيرهم من المقلدين أن القراءات السبع كلها متواترة أي في كل فرد ممن روى عن هؤلاء الأئمة السبعة، قالوا: والقطع بأنها منزلة من عند الله واجب، ونحن بهذا نقول ولكن فيما اجتمعت على نقله عنهم الطرق، واتفقت عليه الفرق من غير نكير له مع أنه شاع واشتهر واستفاض فلا أقل من اشتراط ذلك إذا لم يتفق التواتر في بعضها.

وقال الجعبري: الشرط واحد وهو صحة النقل ويلزم الآخران (١).

وقال أبو شامة أيضًا: فكل قراءة ساعدها خط المصحف مع صحة النقل فيهما ومجيئها على الفصيح من لغة العرب فهي قراءة صحيحة معتبرة (٢).


(١) النشر ١/ ١٣، والمرشد الوجيز (٣٩١).
(٢) المرشد الوجيز (٣٨١)، وانظر العواصم من القواصم لابن العربي (٣٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>