موقف العلماء من محمد بن الحسن بن يعقوب، وابن شنبوذ: أولًا: محمد بن الحسن. قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: كان ابن مقسم من أحفظ الناس لنحو الكوفيين، وأعرفهم بالقراءات، وله في التفسير ومعاني القرآن كتاب جليل سماه كتاب (الأنوار)، وله أيضًا في القراءات وعلوم النحو تصانيف عدة، ومما طُعن عليه به أنه عمد إلى حروف من القرآن فخالف الإجماع فيها، وقرأها وأقرأها على وجوه ذكر أنها تجوز في اللغة والعربية، وشاع ذلك عند أهل العلم فأنكروه عليه، وارتفع الأمر إلى السلطان فأحضره واستتابه بحضرة القراء والفقهاء فأذعن بالتوبة وكتب محضر بتوبته، وأثبت جماعة من حضر ذلك المجلس خطوطهم فيه بالشهادة عليه، وقيل: إنه لم ينزع عن تلك الحروف وكان يُقرئ بها إلى حين وفاته، وقد ذكر حاله أبو طاهر بن أبي هاشم المقرئ صاحب أبي بكر بن مجاهد في كتابه الذي سماه كتاب (البيان) فقال: فيما أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر المقرئ قال: أنبأنا أبو طاهر عبد الواحد بن عمر بن محمد بن أبي هاشم قال: وقد نبغ نابغ في عصرنا هذا فزعم أن كل ما صح عنده وجه في العربية لحرف من القرآن يوافق خط المصحف فقراءته جائزة في الصلاة وغيرها! ، فابتدع بقيله ذلك بدعة ضل بها عن قصد السبيل، وأورط نفسه في مذلة عظمت بها جنايته على الإسلام وأهله، وحاول إلحاق كتاب الله من الباطل ما لا يأتيه من بين يديه ولا من خلفه؛ إذ جعل لأهل الإلحاد في دين الله بسيئ رأيه طريقًا إلى مغالطة أهل الحق بتخير القراءات من جهة البحث والاستخراج بالآراء دون الاعتصام والتمسك بالأثر المفترض، وقد كان أبو بكر شيخنا نضر الله وجهه نشله من بدعته المضلة باستتابته منها، وأشهد عليه الحكام والشهود المقبولين عند الحكام بتركه ما أوقع نفسه فيه من الضلالة بعد أن سئل البرهان على صحة ما ذهب إليه؛ فلم يأت بطائل، ولم يكن له حجة قوية ولا ضعيفة، واستوهب أبو بكر - رضي الله عنه - تأديبه من السلطان عند توبته وإظهاره الإقلاع عن بدعته، ثم عاود في وقتنا هذا إلى ما كان ابتدعه واستغوى من أصاغر المسلمين ممن هو في الغفلة والغباوة دونه ظنًا منه أن ذلك يكون للناس دينًا وأن يجعلوه فيما ابتدعه إمامًا، ولن يعدو ما ضل به مجلسه؛ لأن الله قد أعلمنا أنه حافظ كتابه من لفظ الزائفين وشبهات الملحدين بقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)}، ثم ذكر أبو طاهر كلامًا كثيرًا وقال بعده: وقد دخلت عليه شبهة لا تخيل بطولها وفسادها على ذي لب وفطنة صحيحة، وذلك أنه قال: لما كان لخلف بن هشام، وأبي عبيد، وابن سعدان أن يختاروا =