للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= وكان ذلك لهم مباحًا غير منكر كان ذلك لي أيضًا مباحًا غير مستنكر، فلو كان حذا حذوهم فيما اختاروه وسلك طريقًا كطريقهم كان ذلك مباحا له ولغيره غير مستنكر، وذلك أن خلفًا ترك حروفًا من حروف حمزة، واختار أن يقرأ على مذهب نافع، وأما أبو عبيد وابن سعدان فلم يتجاوز واحد منهما قراءة أئمة القراءة بالأمصار، ولو كان هذا الغافل نحا نحوهم كان مسوغًا لذلك غير ممنوع منه ولا معيب عليه؛ بل إنما كان النكير عليه شذوذه عما عليه الأئمة الذين هم الحجة فيما جاءوا به مجتمعين مختلفين. (تاريخ بغداد ٢/ ٢٠٨).
ثانيًا: ابن شنبوذ.
وعُقد مجلس آخر لاستتابة ابن شنبوذ الذي كان يقرأ بحروف مخالفة لرسم المصحف وأعلن توبته ورجوعه، وإليك قصته بالتفصيل لما فيها من الفوائد:
هو الإمام محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت بن شنبوذ المقرئ كان من مشاهير القراء وأعيانهم، وتفرد بقراءات من الشواذ كان يقرأ بها في المحراب فأنكرت عليه، وبلغ ذلك الوزير أبا علي محمد بن مقلة الكاتب المشهور، فاعتقله واستحضر الوزير المذكور القاضي أبا الحسين عمر بن محمد وأبا بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد المقرئ وجماعة من أهل القرآن، وأحضر ابن شنبوذ المذكور، ونوظر بحضرة الوزير ابن مقلة، ثم أوقفوه على الحروف التي قيل إنه يقرأ بها، فأنكر ما كان شنيعًا، وقال فيما سواه: إنه قرأ به قوم، فاستتابوه فتاب، وقال: إنه قد رجع عما كان يقرؤه، وإنه لا يقرأ إلا بمصحف عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وبالقراءة المتعارفة التي يقرأ بها الناس، فكتب عليه الوزير محضرًا بما قاله، وأمره أن يكتب خطه في آخره، فكتب ما يدل على توبته؛ ونسخة المحضر: سئل محمد بن أحمد المعروف بابن شنبوذ عما حكي عنه أنه يقرؤه، وهو (. . . إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ فامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللهِ)، فاعترف به، وعن (وَتَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)، فاعترف به، وعن (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبَّ)، فاعترف به، وعن (. . . كَالصُّوفِ المَنْفُوشِ)، فاعترف به، وعن (فَالْيَوْمَ نُنَحِّيكَ بِبدَنِكَ)، "فاعترف به، وعن (وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا)، فاعترف به، وعن (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنتِ الإِنْسُ أَنَّ الجِنَّ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الغَيْبَ مَا لَبِثُوا حولًا في العَذَابِ المُهِينِ)، فاعترف به، وعن (وَالَّليْلِ إِذَا يَغْشَى. وَالنَّهَارِ إِذَا تجَلَّى وَالذَّكَرَ وَالأُنْثَى)، فاعترف به، وعن (فَقَدْ كَذَّبَ الكَافِرُونَ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا)، فاعترف به، وعن (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ فِئَةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَيَسْتَعِينُونَ اللهَ عَلَى مَا أَصَابَهُم أُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ)، فاعترف به، وعن (إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)، فاعترف به، وكتب الشهود الحاضرون شهاداتهم في الحضر حسبما سمعوه من لفظه.
وكتب ابن شنبوذ بخطه ما صورته: يقول محمد بن أحمد بن أيوب المعروف بابن شنبوذ: ما في هذه الرقعة: صحيح، وهو قولي واعتقادي، وأشهد الله - عز وجل - وسائر من حضر على نفسي بذلك؛ وكتب بخطه: فمتى خالفت ذلك أو بان مني غيره، فأمير المؤمنين في حل من دمي وسعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>