فهو هنا يؤكد على شرط من شروط القراءة وهو: موافقة العربية، ثم يشير إلى الشرط الآخر، وهو: صحة السند بقوله:
ومنهم من يعرب قراءته ويبصر المعاني ويعرف اللغات، ولا علم له بالقراءات واختلاف الناس والآثار، فربما دعاه بصره بالإعراب إلى أن يقرأ بحرف جائز في العربية لم يقرأ به أحد من الماضين، فيكون بذلك مبتدعًا.
ويكشف لنا ابن مجاهد عن أن اختيار الناس لم يكن مجرد تبعية أو تقليدًا أو انسياقًا أعمى؛ بل كان انتقاء واعيًا وبصيرة نافذة فيقول:(١)
وأما الآثار التي رويت في الحروف فكالآثار التي رويت في الأحكام، منها المجتمع عليه السائر المعروف، ومنها المتروك المكروه عند الناس المعيب من أخذ به، وإن كان قد روى وحفظ، ومنها ما توهم فيه من رواه فضيع روايته ونسى سماعه لطول عهده فإذا عرض على أهله عرفوا توهمه وردوه على من حمله، وربما سقطت روايته لذلك بإصراره على لزومه وتركه الانصراف عنه، ولعل كثيرًا ممن تُرك حديثه واتُهم في روايته كانت هذه علته، وإنما ينتقد ذلك أهل العلم بالأخبار والحرام والحلال والأحكام، وليس انتقاد ذلك إلى من لا يعرف الحديث ولا يبصر الرواية والاختلاف، كذلك ما روى من الآثار في حروف القرآن منها المعرب السائر الواضح، ومنها المعرب الواضح غير السائر، ومنها اللغة الشاذة القليلة، ومنها الضعيف المعنى في الإعراب غير أنه قد قرئ به، ومنها ما توهم فيه فغلط به، فهو لحن غير جائز عند من لا يبصر من العربية إلا اليسير، ومنها اللحن الخفي الذي لا يعرفه إلا العالم النحرير، وبكلٍّ قد جاءت الآثار في القراءات.
ويقول ابن مجاهد أيضًا مؤكدًا على أن اختياره لم يكن سوى اختيار الناس الخاصة منهم والعامة: والقراءة التي عليها الناس بالمدينة ومكة والكوفة والبصرة والشام هي القراءة التي تلقوها عن أوليهم تلقيًا، وقام بها في كل مصر من هذه الأمصار رجل ممن أخذ عن