للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الحافظ: وكأن المراد بالشاهدين الحفظ والكتاب، أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن. (١)

قال أبو شامة: وكان غرضهم أن لا يُكتب إلا من عين ما كُتب بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، لا من مجرد الحفظ. ولم يعتمد زيد على الحفظ وحده، ولذلك قال في الحديث الذي أوردناه عن البخاري سابقًا، إنه لم يجد آخر سورة براءة إلا مع أبي خزيمة، أي: لم يجدها مكتوبة إلا مع أبي خزيمة الأنصاري، مع أن زيدًا كان يحفظها، وكان كثير من الصحابة يحفظونها كذلك، ولكنه أراد أن يجمع بين الحفظ والكتابة، زيادة في التوثق، ومبالغة في الاحتياط (٢).

وعلى هذا الدستور الرشيد تم جمع القرآن في صحف بإشراف أبي بكر وعمر وأكابر الصحابة، وأجمعت الأمة على ذلك دون نكير، وكان ذلك منقبة خالدة لا يزال التاريخ يذكرها بالجميل لأبي بكر في الإشراف، ولعمر في الاقتراح، ولزيد في التنفيذ، والصحابة في المعاونة والإقرار.

وقد قوبلت تلك الصحف التي جمعها زيد بما تستحق من عناية فائقة، فحفظها أبو بكر عنده مدة حياته، ثم حفظها عمر بعده حتى شهادته، ثم حفظتها أم المؤمنين حفصة بنت عمر بعد وفاة والدها، حتى طلبها منها عثمان - رضي الله عنه - ليستنسخ منها مصاحفه اعتمادًا عليها، ثم ردها إليها إيفاء بالعهد الذي أعطاها إياه، فلم تزل عندها حتى أرسل إليها مروان بن الحكم حينما ولي المدينة فأبت، ثم لما توفيت - رضي الله عنها - سنة ٤٥ هـ، حضر مروان جنازتها، ثم طلب من أخيها


= يقرأ بها فلم أجدها إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهادته شهادة رجلين وهو قوله {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} (البخاري: ٢٦٥٢). ففي التنبيه على أن شهادة خزيمة تعدل شهادة رجلين إشارة إلى أنهم اشترطوا هذا الشرط لا سيما والقائم بالجمع في العهدين واحد وهو زيد. وبهذه الشواهد يرتقي إلى الحسن والله أعلم.
(١) فتح الباري ٩/ ١٤، ١٥، الإتقان ١/ ١٦٢.
(٢) الإتقان ١/ ١٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>