الوجه الخامس: أن هذه الروايات مهما يكن سندها صحيحًا فإنها مخالفة للمتواتر القاطع، ومعارض القاطع ساقط مردود فلا يلتفت إليها ولا يعمل بها، ثم إنه قد نص في كتاب إتحاف فضلاء البشر على أن لفظ (هذان) قد رسم في المصحف من غير ألف ولا ياء؛ ليحتمل وجوه القراءات الأربع فيها كما شرحنا ذلك سابقا في فوائد رسم المصحف؛ وإذن فلا يعقل أن يقال: أخطأ الكاتب. فإن الكاتب لم يكتب ألفًا ولا ياءً، ولو كان هناك خطأ تعتقده عائشة ما كانت تنسبه للكاتب؛ بل كانت تنسبه لمن يقرأ بتشديد (إن) وبالألف لفظا في هذان، ولم ينقل عن عائشة ولا عن غيرها تخطئة من قرأ بما ذكر، وكيف تنكر هذه القراءة وهي متواترة مجمع عليها؛ بل هي قراءة الأكثر ولها وجه فصيح في العربية لا يخفى على مثل عائشة.
ذلك هو إلزام المثنى الألف في جميع حالاته وجاء منه قول الشاعر العربي:
واها لسلمى ثم واها واها ... يا ليت عيناها لنا وفاها
وموضع الخلخال من رجلاها ... بثمن يرضى به أباها
إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها
فبعيد عن عائشة أن تنكر تلك القراءة ولو جاء بها وحدها رسم المصحف (١).
الوجه السادس: أن ما نسب إلى عائشة - رضي الله عنها - من تخطئة رسم المصحف في قوله تعالى:{وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ} بالياء مردود بما ذكره أبو حيان في البحر إذ يقول ما نصه: وذكر عن عائشة - رضي الله عنها - وعن أبان بن عثمان أن كتبها بالياء من خطأ كاتب المصحف، ولا يصح ذلك عنهما؛ لأنهما عربيان فصيحان، وقطع النعوت مشهور في لسان العرب، وهو باب واسع ذكر عليه شواهد سيبويه وغيره.
وقال الزمخشري: لا يلتفت إلى ما زعموا من وقوعه خطأ في خط المصحف، وربما التفت إليه من لم ينظر في الكتاب يريد كتاب سيبويه، ولم يعرف مذاهب العرب، وما لهم