للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شذوذ أبي عمرو بن العلاء في "إن هذين" خاصّة هو الذي يُحمل عليه هذا الخبر ويتأوّل فيه دون أن يقطع به. على أن أم المؤمنين - رضي الله عنها - مع عظيم محلّها، وجليل قدرها، واتّساع علمها ومعرفتها بلغة قومها لحّنت الصحابة، وخطأت الكتبة؛ وموضعهم من الفصاحة والعلم باللغة موضعهم الذي لا يجهل ولا ينكر، هذا ما لا يسوغ ولا يجوز (١).

الوجه الثاني: ولو كانت ترى ذلك لِم لَم تنكره وتأمر بتغييره ولكن سكتت على هذا اللحن حتى جاء ابن أختها وهو من التابعين، فهذا مستبعد جدًا.

الوجه الثالث: اتفاق مصحفنا ومصحف أبيٍّ في ذلك، ما يدل على أنّ الذي في مصحفنا من ذلك صواب غير خطأ، مع أن ذلك لو كان خطأ من جهة الخطِّ، لم يكن الذين أخذ عنهم القرآن من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُعلِّمون من علَّموا ذلك من المسلمين على وجه اللحن، ولأصلحوه بألسنتهم، ولقَّنوه الأمة تعليمًا على وجه الصواب. وفي نقل المسلمين جميعًا ذلك قراءةً على ما هو به في الخط مرسومًا، أدلُّ الدليل على صحة ذلك وصوابه، وأن لا صنع في ذلك للكاتب. (٢)

الوجه الرابع: وقد تأوّل بعض علمائنا قول أمّ المؤمنين أخطأوا في الكتاب، أي: أخطئوا في اختيار الأولى من الأحرف السبعة بجمع الناس عليه لا أن الذي كتبوا من ذلك خطأ لا يجوز؛ لأن ما لا يجوز مردود بإجماع وإن طالت مدّة وقوعه وعظم قدر موقعه، وتأوّل اللحن أنه القراءة واللغة كقول عمر - رضي الله عنه -: أبيٌّ أقرؤنا وإنا لندع بعض لحنه. أي قراءته، فهذا بين وبالله التوفيق. (٣)

وهذا غير مستبعد فقد ثبت أن كبار الصحابة خطَّأ بعضهم بعضا؛ لعدم علمهم ببعض الأحرف التي أنزل عليها القرآن.


(١) المقنع في رسم المصاحف صـ ١٣٢.
(٢) تفسير الطبري ٩/ ٣٩٣.
(٣) المقنع في رسم مصاحف الأمصار ١٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>