للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه، وما من شفعاء يقربون إلى الله زلفى، وما من شفيع من خلقه إلا حيث يأذن له بالشفاعة وفقًا لتدبيره وتقديره، واستحقاق الشفاعة بالإيمان والعمل الصالح لا بمجرد التوسل بالشفعاء. وهذا يواجه ما كانوا يعتقدونه من أن للملائكة التي يعبدون تماثيلها شفاعة لا ترد عند الله. (١)

ولأن المشركين جعلوا آلهتهم شفعاء فإذا أنذروا بغضب الله يقولون {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: ١٨] أي حماتنا من غضبه، فبعد أن وصف الإله الحق بما هو منتف عن آلهتهم نفى آلهتهم وصف الشفاعة عند الله وحماية المغضوب عليهم منه، وأكد النفي بـ (من) التي تقع بعد حرف النفي لتأكيد النفي، وانتفاء الوصف عن جميع أفراد الجنس الذي دخلت (من) على اسمه بحيث لم تبق لآلهتهم خصوصية. وزيادة {إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} احتراس لإثبات شفاعة محمد - صلى الله عليه وسلم - بإذن الله.

قال تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} والمقصود من ذلك نفي الشفاعة لآلهتهم من حيث إنهم شركاء لله في الألوهية فشفاعتهم عنده نافذة كشفاعة الند عند نده (٢).

وقوله تعالى: {لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (٨٧)} [مريم: ٨٧]. يقول تعالى ذكره لا يملك هؤلاء الكافرون بربهم يا محمد - يوم يحشر الله المتقين إليه وفدًا - الشفاعةَ حين يشفع أهل الإيمان بعضهم لبعض إلا من اتخذ منهم عند الرحمن في الدنيا عهدًا بالإيمان وتصديق رسوله والإقرار بما جاء به والعمل بما أمر به.

فالعهد: شهادة أن لا إله إلا الله ويتبرأ إلى الله من الحول والقوة ولا يرجوا إلا الله (٣).

وقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} [طه: ١٠٩]، يقول تعالى: {يَوْمَئِذٍ} أي يوم القيامة لا تنفع الشفاعة أي عنده إلا من أذن له الرحمن ورضي له


(١) المصدر السابق (٣/ ١٧٦٣).
(٢) التحرير والتنوير (١١/ ٨٨).
(٣) الطبري (١٦/ ١٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>