كان عالمًا بأنه تعالى يصح منه الإحياء في الجملة؛ لأن تخصيص هذا الشيء باستبعاد الإحياء إنما يصح أن لو حصل الاعتراف بالقدرة على الإحياء في الجملة، فأما من يعتقد أن القدرة على الإحياء ممتنعة لم يبق لهذا التخصيص فائدة.
الثاني: أن قوله: {كَمْ لَبِثْتَ} لا بد له من قائل، والمذكور السابق هو الله تعالى؛ فصار التقدير: قال الله تعالى: {كَمْ لَبِثْتَ} فقال ذلك الإنسان: {لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} فقال الله تعالى: {بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ} ومما يؤكد أن قائل هذا القول هو الله تعالى قوله: {وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ} ومن المعلوم أن القادر على جعله آية للناس هو الله تعالى، ثم قال:{وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا} ولا شك أن قائل هذا القول هو الله تعالى؛ فثبت أن هذه الآية دالة من هذه الوجوه الكثيرة على أنه تكلم معه، ومعلوم أن هذا لا يليق بحال هذا الكافر.
فإن قيل: لعله تعالى بعث إليه رسولًا أو ملكًا حتى قال له هذا القول عن الله تعالى.
قلنا: ظاهر هذا الكلام يدل على أن قائل هذه الأقوال معه هو الله تعالى، فصرف اللفظ عن هذا الظاهر إلى المجاز من غير دليل يوجبه غير جائز.
الثالث: أن إعادته حيًا وإبقاء الطعام والشراب على حالهما، وإعادة الحمار حيًا بعد ما صار رميمًا مع كونه مشاهدًا لإعادة أجزاء الحمار إلى التركيب وإلى الحياة إكرام عظيم وتشريف كريم، وذلك لا يليق بحال الكافر له.
الرابع: أنه تعالى قال في حق هذا الشخص: {وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ} وهذا اللفظ إنما يستعمل في حق الأنبياء والرسل قال تعالى: {وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء: ٩١] فكان هذا وعدًا من الله تعالى بأنه يجعله نبيًا، وأيضًا فهذا الكلام لم يدل على النبوّة بصريحه فلا شك أنه يفيد التشريف العظيم، وذلك لا يليق بحال من مات على الكفر وعلى الشك في قدرة الله تعالى.