للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون المراد من جعله آية أن من عرفه من الناس شابًا كاملًا إذا شاهدوه بعد مائة سنة على شبابه وقد شاخوا أو هرموا، أو سمعوا بالخبر أنه كان مات منذ زمان وقد عاد شابًا صح أن يقال لأجل ذلك إنه آية للناس؛ لأنهم يعتبرون بذلك ويعرفون به قدرة الله تعالى، ونبوّة نبي ذلك الزمان؟

والجواب من وجهين:

الأول: أن قوله: {وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً} إخبار عن أنه تعالى يجعله آية، وهذا الاخبار إنما وقع بعد أن أحياه الله، وتكلم معه، والمجعول لا يجعل ثانيًا، فوجب حمل قوله: {وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ} على أمر زائد عن هذا الإحياء، وأنتم تحملونه على نفس هذا الإحياء فكان باطلًا.

والثاني: أن وجه التمسك أن قوله: {وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ} يدل على التشريف العظيم، وذلك لا يليق بحال من مات على الكفر والشك في قدرة الله تعالى.

الخامس: مما روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - في سبب نزول الآية قال: إن بختنصر غزا بني إسرائيل فسبى منهم الكثيرين، ومنهم عزير وكان من علمائهم، فجاء بهم إلى بابل، فدخل عزير يومًا تلك القرية ونزل تحت شجرة وهو على حمار، فربط حماره وطاف في القرية فلم ير فيها أحدًا فعجب من ذلك وقال: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} لا على سبيل الشك في القدرة؛ بل على سبيل الاستبعاد بحسب العادة، وكانت الأشجار مثمرة، فتناول من الفاكهة التين والعنب، وشرب من عصير العنب ونام، فأماته الله تعالى في منامه مائة عام وهو شاب، ثم أعمى عن موته أيضًا الإنس والسباع والطير، ثم أحياه الله تعالى بعد المائة ونودي من السماء: يا عزير {كَمْ لَبِثْتَ} بعد الموت؟ فقال: {يَوْمًا} فأبصر من الشمس بقية فقال: {أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} فقال الله تعالى: {بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ} من التين والعنب وشرابك من العصير لم يتغير طعمهما، فنظر فإذا التين والعنب كما

<<  <  ج: ص:  >  >>