أي: أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه وهم يعلمون. . . {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أي: يعلمون أنهم في تحريفهم ما حرفوا من ذلك مبطلون كاذبون؛ وذلك إخبار من الله - جل ثناؤه - عن إقدامهم على البهت، ومناجاتهم العداوة لرسوله موسى - صلى الله عليه وسلم -، وأن بقاياهم من مناجاتهم العداوة لله ولرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - بغيًا وحسدًا على مثل الذي كان عليه أوائلهم من ذلك في عصر موسى - عليه السلام - (١).
فهذا قطع لأطماع المؤمنين من إيمان أهل الكتاب أي: فلا تطمعوا في إيمانهم وحالاتهم لا تقتضي الطمع فيهم فإنهم كانوا يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه وعلموه فيضعون له معاني ما أرادها الله؛ ليوهموا الناس أنها من عند الله وما هي من عند الله، فإذا كانت هذه حالهم في كتابهم الذي يرونه شرفهم ودينهم يصدون به الناس عن سبيل الله، فكيف يرجى منهم إيمانهم لكم؟ فهذا من أبعد الأشياء، فحال المنافقين من أهل الكتاب أنهم إذا لقوا الذين آمنوا قالوا:{آمَنَّا} , فأظهروا لهم الإيمان قولًا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم {وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ}، فلم يكن عندهم أحد من غير أهل دينهم؛ قال بعضهم لبعض:{أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ}؛ أي: تظهرون لهم الإيمان وتخبرونهم أنكم مثلهم فيكون ذلك حجة لهم عليكم؟ يقولون: إنهم قد أقروا بأن ما نحن عليه حق، وما هم عليه باطل فيحتجون عليكم بذلك عند ربكم {أَفَلَا تَعْقِلُونَ}؛ أي أفلا يكون لكم عقل فتتركون ما هو حجة عليكم؟ هذا يقوله بعضهم لبعض: {أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (٧٧)}، فهم وإن أسروا ما يعتقدونه فيما بينهم، وزعموا أنهم بإسرارهم لا يتطرق عليهم حجة للمؤمنين؛ فإن هذا غلط منهم وجهل كبير، فإن الله يعلم