للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سرهم وعلنهم فيظهر لعباده ما أنتم عليه {وَمِنْهُمْ} ومن أهل الكتاب {أُمِّيُّونَ} أي: عوام ليسوا من أهل العلم {لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} أي: ليس لهم حظ من كتاب إلا التلاوة فقط، وليس عندهم خبر بما عند الأولين الذين يعلمون حق المعرفة حالهم، وهؤلاء إنما معهم ظنون وتقاليد لأهل العلم منهم. فذكر في هذه الآيات علماءهم، وعوامهم، ومنافقيهم، ومن لم ينافق منهم، فالعلماء منهم متمسكون بما هم عليه من الضلال، والعوام مقلدون لهم لا بصيرة عندهم فلا مطمع لكم في الطائفتين.

ثم قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة: ٧٩].

توعد تعالى المحرفين للكتاب الذين يقولون لتحريفهم وما يكتبون {هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} وهذا فيه إظهار الباطل وكتم الحق؛ وإنما فعلوا ذلك مع علمهم {لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا}، والدنيا كلها من أولها إلى آخرها ثمن قليل، فجعلوا باطلهم شركًا يصطادون به ما في أيدي الناس فظلموهم من وجهين:

من جهة تلبيس دينهم عليهم، ومن جهة أخذ أموالهم بغير حق؛ بل إبطال الباطل أعظم ممن يأخذها غصبًا وسرقة ونحوهما، ولهذا توعدهم بهذين الأمرين فقال: {فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ} أي: من التحريف والباطل {وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} من الأموال، والويل: شدة العذاب والحسرة، وفي ضمنها الوعيد الشديد (١).

وقال تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٨)} [آل عمران: ٧٨].

إن منهم فريقًا يحرفون الكلم عن موضعه، ويبدلون كلام الله، ويزيلونه عن المراد به؛


(١) تفسير السعدي (١/ ٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>