للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو جعفر الطبري: يعني بذلك جل ثناؤه: {وَلَا تَكُونُوا} يا معشر الذين آمنوا: {كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا} من أهل الكتاب {وَاخْتَلَفُوا} في دين الله وأمره ونهيه {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ}، من حجج الله، فيما اختلفوا فيه، وعلموا الحق فيه فتعمدوا خلافه، وخالفوا أمرَ الله، ونقضوا عهده وميثاقه جراءة على الله {وَأُولَئِكَ لَهُمْ}، يعني: ولهؤلاء الذين تفرقوا، واختلفوا من أهل الكتاب من بعد ما جاءهم {عَذَابٌ} من عند الله {عَظِيمٌ}، يقول جل ثناؤه: فلا تتفرقوا، يا معشر المؤمنين، في دينكم تفرُّق هؤلاء في دينهم، ولا تفعلوا فعلهم، وتستنوا في دينكم بسنتهم، فيكون لكم من عذاب الله العظيم ما لهم. (١)

وقال ابن كثير: ينهى هذه الأمة أن تكون كالأمم الماضية في تفرقهم واختلافهم، وتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع قيام الحجة عليهم. (٢)

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَفَرَّقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى أَوْ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتفرقت النَّصَارَى إِحْدَى أَوْ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً". (٣)

قال صاحب عون المعبود: هَذَا مِنْ مُعْجِزَاته - صلى الله عليه وسلم -، لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ غَيْب وَقَعَ. قَالَ الْعَلْقَمِيّ: قَالَ شَيْخنَا أَلَّفَ الْإِمَام أَبُو مَنْصُور عَبْد الْقَاهِر بْن طَاهِر التَّمِيمِيّ فِي شَرْح هَذَا الْحَدِيث كِتَابًا قَالَ فِيهِ: قَدْ عَلِمَ أَصْحَاب الْمُقَاوَلَات أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يُرِدْ بِالْفِرَقِ الْمَذْمُومَة الْمُخْتَلِفِينَ فِي فُرُوع الْفِقْه مِنْ أَبْوَاب الْحَلَال وَالْحْرَام، وَإِنَّمَا قَصَدَ بِالذَّمِّ مَنْ خَالَفَ أَهْل الْحَقّ فِي أُصُول التَّوْحِيد، وَفِي تَقْدِير الْخَيْر وَالشَّرّ وَفِي شُرُوط النُّبُوَّة وَالرِّسَالَة، وَفي مُوَالَاة الصَّحَابَة وَمَا جَرَى مَجْرَى هَذِهِ الْأَبْوَاب؛ لِأَنَّ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهَا قَدْ كَفَّرَ بَعْضهمْ بَعْضًا بِخِلَافِ النَّوْع الْأَوَّل فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ


(١) تفسير الطبري (٤/ ٣٩).
(٢) تفسير ابن كثير (١/ ٥٣٥).
(٣) رَوَاهُ أبو داود (٦٢٤٧)، والترمذي (٢٦٤٠)، وعند ابن ماجه (٣٩٩٣) عن أنس بن مالك وإسناده صحيح، وصححه الألباني في الصحيحة (١٤٩٢, ٢٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>