للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَيْر تَكْفِير، وَلَا تَفْسِيق لِلْمُخَالِفِ فِيهِ؛ فَيَرْجِع تَأْوِيل الْحَدِيث فِي اِفْتِرَاق الْأُمَّة إِلَى هَذَا النَّوْع مِنْ الِاخْتِلَاف، وَقَدْ حَدَثَ فِي آخِر أَيَّام الصَّحَابَة خِلَاف الْقَدَرِيَّة مِنْ مَعْبَد الْجُهَنِيّ وَأَتْبَاعه، ثُمَّ حَدَثَ الْخِلَاف بَعْد ذَلِكَ شَيْئًا فَشَيْئًا إِلَى أَنْ تَكَامَلَتْ الْفِرَق الضَّالَّة اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَة، وَالثَّالِثَة وَالسَّبْعُونَ هُمْ أَهْل السُّنَّة وَالْجَمَاعَة، وَهِيَ الْفِرْقَة النَّاجِيَة (١).

وقال في تحفة الأحوذي: المراد من أمتي الإجابة (٢)، وهذا من معجزاته - صلى الله عليه وسلم -. (٣)

ومما جاء في ذم التفرق والحث على الجماعة:

عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: خَطَبَنَا عُمَرُ بِالجْابِيَةِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِينَا، فَقَالَ: "أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ، وَيَشْهَدَ الشَّاهِدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ. أَلا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ. عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ. مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ. مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكُمْ الْمُؤْمِنُ" (٤).

قال في تحفة الأحوذي: قَوْلُهُ: "خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ "خُطْبَةُ عُمَرَ هَذِهِ مَشْهُورَةٌ، خَطَبَهَا بِالْجَابِيَةِ وَهِيَ قَرْيَةٌ بِدِمَشْقَ فَقَالَ أَيْ: رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ "أَيْ: التَّابِعِينَ "ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ" أَيْ: أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ. وَقَوْلُهُ: "بِأَصْحَابِي"، وَلَيْسَ مُرَادُهُ بِهِ وُلَاةَ الْأُمُورِ "ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ" أَيْ: يَظْهَرُ وَيَنْتَشِرُ بَيْنَ النَّاسِ بِغَيْرِ نَكِيرٍ" حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ" أَيْ: لَا يُطْلَبُ مِنْهُ الْحَلِفُ لِجُرْأَتِهِ عَلَى الله "وَيَشْهَدُ الشَّاهِدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ"


(١) عون المعبود (٦/ ٢٢).
(٢) الإجابة: أمة النبي نوعان: أمة إجابة، وأمة دعوة؛ فأمة الدعوة هم من كفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وأمة الإجابة هم من آمن به.
(٣) تحفة الأحوذي (٧/ ٣٣٢).
(٤) رَوَاهُ الترمذي (٢١٦٥) وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ المُبَارَكِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -.
وأحمد (١/ ٢٦). وصححه الألباني في صحيح الجامع (٢٥٤٦)، وفي الصحيحة (٤٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>