قال أبو جعفر الطبري: وفي قوله - عز وجل -: {قَالُوا يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ} وهذا خبر من الله - عز وجل - عن جواب قوم موسى - عليه السلام - إذ أمرهم بدخول الأرض المقدسة: أنهم أبوا عليه إجابته إلى ما أمرهم به من ذلك، واعتلّوا عليه في ذلك بأن قالوا: إن في الأرض المقدسة التي تأمرنا بدخولها قومًا جبارين لا طاقة لنا بحربهم ولا قوة لنا بهم، وسموهم {جَبَّارِينَ} لأنهم كانوا لشدة بطشهم وعظيم خلقهم - فيما ذكر لنا - قد قهروا سائر الأمم غيرهم.
فقالوا:{وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا}، يعنون: من الأرض المقدسة الجبارين الذين فيها جبنًا منهم وجزعًا من قتالهم، وقالوا له: إنْ يخرج منها هؤلاء الجبارون دخلناها، وإلا فإنا لا نُطيق دخولها وهم فيها؛ لأنه لا طاقة لنا بهم ولا يَدَ. ثم قال في قوله: {قَالُوا يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (٢٤)}، وهذا خبر من الله جل ذكره عن قول الملأ من قوم موسى لموسى إذ رُغِّبوا في جهاد عدوهم، ووعدوا نصر الله إياهم إن هم ناهضوهم، ودخلوا عليهم باب مدينتهم أنهم قالوا: إنا لن ندخلها أبدًا، يعنون إنا لن ندخل مدينتهم أبدًا والهاء والألف من قوله له:{إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا} من ذكر المدينة، ويعنون بقولهم:{أَبَدًا} أيام حياتنا،