للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{مَا دَامُوا فِيهَا} يعنون: ما كان الجبارون مقيمين في تلك المدينة التي كتبها الله لهم، وأمروا بدخولها، {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} لا نجيء معك يا موسى إن ذهبت إليهم لقتالهم؛ ولكن نتركك تذهب أنت وحدك وربك فتقاتلانهم، وكان بعضهم يقول في ذلك: ليس معنى الكلام اذهب أنت وليذهب معك ربك فقاتلا؛ ولكن معناه اذهب أنت يا موسى وليعنك الله ربك وذلك أن الله لا يجوز عليه الذهاب (١).

قال ابن كثير: وهذه القصة تضمنت تقريع اليهود وبيان فضائحهم، ومخالفتهم لله ولرسوله، ونكولهم عن طاعتهما فيما أمرهم به من الجهاد، فضعفت أنفسهم عن مصابرة الأعداء ومجالدتهم ومقاتلتهم؛ مع أن بين أظهرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكليمه وصفيه من خلقه في ذلك الزمان، وهو يعدهم بالنصر والظفر بأعدائهم، هذا وقد شاهدوا ما أحل الله بعدوهم فرعون من العذاب والنكال والغرق له ولجنوده في اليم، وهم ينظرون لتَقَرَّ به أعينهم وما بالعهد من قدم، ثم ينكلون عن مقاتلة أهل بلد هي بالنسبة إلى ديار مصر لا توازي عشر المعشار في عدّة أهلها وعَدَدِهِمْ، فظهرت قبائح صنيعهم للخاص والعام، وافتضحوا فضيحة لا يغطيها الليل، ولا يسترها الذيل، هذا وهم في جهلهم يعمهون، وفي غَيِّهم يترددون، وهم البُغَضَاء إلى الله وأعداؤه، ويقولون مع ذلك: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: ١٨] فقبح الله وجوههم التي مسخ منها الخنازير والقرود، وألزمهم لعنة تصحبهم إلى النار ذات الوقود، ويقضي لهم فيها بتأبيد الخلود، وقد فعل وله الحمد من جميع الوجود (٢).

وإنا لنفخر بما كان عليه صحابة نبينا من طاعتهم لله ورسوله، وعدم إعراضهم عن الجهاد والقتال عمومًا، ويوم استشارهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في بدر خصوصًا.

قال ابن كثير: وما أحسن ما أجاب به الصحابة، - رضي الله عنهم - يوم بدر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين


(١) تفسير الطبري بتصرف يسير (٤/ ١٧٣ - ١٨٠)، تفسير ابن كثير ٢/ ٥٥ - ٥٧.
(٢) تفسير ابن كثير (٢/ ٥٩ - ٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>