ولم يكن هناك طريق للجمع بين العدل والرحمة إلا بتوسط المسيح ابن الله - في اعتقادهم -، وقبوله أن يظهر في شكل إنسان، وأن يعيش كما يعيش الناس، ثم يُقتل ويُصلب ظلمًا؛ وذلك ليكفر خطيئة آدم أبي البشر في ذريته، وهذا ما يعبر عنه النصارى بالخلاص، وهنا تمت المصالحة بين الله والناس. والرد على هذا الكلام يسير طبقًا للآتي:
أولًا: أين كان عدل الله ورحمته إذًا منذ طرد آدم من الجنة حتى صُلب المسيح في زعمهم؟ فهل كان الله حائرًا بين العدل والرحمة آلاف السنين حتى قبل مجيء المسيح منذ ألف عام فقط حتى يُصلب للتكفير عن خطيئة آدم - عليه السلام -؟ !
ثانيًا: من عدل الله - عز وجل - ألا ينقص أحدًا من حسناته، ولا يعاقبه إلا بذنبه، ولا يجوز حينئذ أن يعاقب ذرية آدم بذنب أبيهم.
ثالثًا: الزعم بأن خطيئة آدم قد عمت سائر أولاده، وأنه لا يطهرهم عن خطاياهم إلا قتل المسيح! ! التوراة والنبوات ترد هذه المقالة الشوهاء كما في كتابهم المقدس:(لَا يُقْتَلُ الآبَاءُ عَنِ الأَوْلَادِ، وَلَا يُقْتَلُ الأَوْلَادُ عَنِ الآبَاءِ، كُلُّ إِنْسَانٍ بِخَطِيَّتِهِ يُقْتَلُ)(التثنية ٢٤/ ١٦).
إن آدم - عليه السلام - قد ارتكب خطيئة وأخذ جزاءه، وهو الخروج من الجنة، ثم أدرك خطأه فتاب لله فقبل الله توبته واجتباه، قال تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (١٢٢)} [طه: ١٢١، ١٢٢].
والرد على عقيدة الصلب والفدا، وبطلانها من الناحية العقلية:
إذا كان الله سبحانه لم يرد الانتقام من آدم - عليه السلام - لمعصية، فمن باب أولى أن يتوب على صاحب الذنب ويعفو عنه، ولا يحمِّله لغيره من باب العدل الإلهي.
النصارى تقول: إن عيسى إله! فكيف وقع على الناسوت فقط؟ وهم يقولون: إن الناسوت في اللاهوت كالماء في اللبن جوهران أصبحا جوهرًا واحدًا، فكيف يُعقل هذا؟ !
إذا كان عيسى - عليه السلام - إلهًا قد صُلب ودُفن كما يقولون، فمن الذي أمسك السموات من