للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالمنكر فنقمة العقوبة والمصيبة بهذا الاعتبار (١).

وقال ابن العربي: فقد أخبرنا ربنا أن كل نفس بما كسبت رهينة، وأنه لا يؤاخذ أحدًا بذنب أحد، وإنما تتعلق كل عقوبة بصاحب الذنب بيد أن الناس إذا تظاهروا بالمنكر فمن الفرض على كل من رآه أن يغيره، فإذا سكت عنه فكلهم عاص، هذا بفعله وهذا برضاه به، وقد جعل الله في حكمه وحكمته الراضي بمنزلة العامل فانتظم الذنب بالعقوبة ولم يتعد موضعه، وهذا نفيس لمن تأمله. (٢)

وقد بينت سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الأمر، وهو أن المنكر إذا ظهر ولم ينكره الناس أنزل الله العقاب من عنده.

عن زينب بنت جحش أنها سألت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون! قال: "نعم إذا كثر الخبث". (٣)

وقد أوضح النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك بالمثال كما في حديث النعمان بن البشير قال - صلى الله عليه وسلم -: "مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ الله وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ. فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا في نَصِيبِنَا خَرْقًا، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا" (٤).

قال ابن حجر: وفيه استحقاق العقوبة بترك الأمر بالمعروف. (٥)

وعن أبي بكر - رضي الله عنه - أنه قال: أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، وإني سمعت رسول الله يقول: إن الناس إذا


(١) نقلًا عن فتح البيان في مقاصد القرآن (٥/ ١٦٠).
(٢) أحكام القرآن لابن العربي (٢/ ٨٤٧)، وتفسير القرطبي (٧/ ٣٧٥).
(٣) صحيح مسلم (٢٨٨٠).
(٤) البخاري (٢٣٦١).
(٥) فتح الباري (٥/ ٣٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>