للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب منه (١).

قال النووي: وأما قوله {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}، فليس مخالفًا لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن المذهب الصحيح في معنى الآية أنكم إذا فعلتم ما كلفتم به فلا يضركم تقصيركم غيركم، مثل قوله: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، وإذا كان كذلك مما كلف به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإذا فعله لم يمتثل المخاطب، فلا عتب بعد ذلك على الفاعل لكونه أدى ما عليه.

وقد وضح النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الأمر في حديث آخر فقال: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم" (٢).

ولذا ذم الله بني إسرائيل ولعنهم بسبب أنهم كانوا لا يتناهون عن المنكر قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (٧٨) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩)} [المائدة: ٧٨، ٧٩].

قال ابن كثير: يخبر تعالى أنه لعن الكافرين من بني إسرائيل من دهر طويل فيما أنزله على داوود نبيه - عليه السلام - على لسان عيسى ابن مريم بسبب عصيانهم واعتدائهم على خلقه.

ثم قال: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ. . . .} أي كان لا ينهى أحد منهم أحدًا عن ارتكاب المآثم والمحارم، ثم ذمهم على ذلك ليُحذر أن يركب مثل الذي ارتكبوا، فقال: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}. (٣)


(١) فتح الباري (٥/ ٣٤٩)، والحديث صححه الألباني في المشكاة (٥١٤٢).
(٢) الترمذي (٢١٦٩)، وقال حديث حسن.
(٣) تفسير ابن كثير (١/ ١١٦، ١١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>