للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٣٦) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ} [الزمر: ٣٦، ٣٧]. (١)

يتضح مما سبق: أن المقصود بالهداية في قوله: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}، وقوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، وما شابههما من الآيات المقصود منها هداية التوفيق والإلهام والتأييد.

الهدى هنا يجيء بمعنى: خلق الإيمان في القلب، وهذا لايكون إلا لله - عز وجل - وحده، وقد استحق هؤلاء القومُ الظالمون والفاسقون ذلك لخروجهم عن طاعة الله - عز وجل -.

قال تعالى: {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}، {حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} قولان: الأول: فتح مكة، الثاني: العقاب (٢).

وقال الحسن: بعقوبة آجلة أو عاجلة، أي: بقضائه، وهذا تهديد وتخويف (٣).

وقوله: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} يعني: الخارجين عن طاعته، وفي هذا دليل على أنه إذا وقع تعارض بين مصالح الدين ومصالح الدنيا وجب على المسلمين ترجيح مصالح الدين على مصالح الدنيا (٤).

ولما كان من آثر حب شيء من ذلك على حبه تعالى، كان مارقًا من دينه راجعًا إلى دين من آثره، وكان التقدير: فيصيبكم بقارعة لا تطيقونها ولا تهتدون إلى دفعها بنوع حيلة؛ لأنكم اخترتم لأنفسكم منابذة الهداية، ومعلوم أن من كان كذلك فهو مطبوع في الفسق، عطف عليه قوله: {وَاللَّهُ} أي: الجامع لصفات الكمال، {لَا يَهْدِي الْقَوْمَ} أي: لا يخلق الهداية في قلوب {الْفَاسِقِينَ} أي: الذين استعملوا ما عندهم من قوة القيام فيما يريدون من الفساد حتى صار


(١) شفاء العليل لابن القيم (١٦٩: ١٧١).
(٢) تفسير زاد المسير (٣/ ٤١٣).
(٣) تفسير القرطبي (٨/ ٩١).
(٤) تفسير الخازن (٢/ ٣٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>