للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذه القاعدة نظائر في القرآن الكريم كقوله تعالى: {فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} أي: إن كنتم مسلمين فتوكلوا عليه، وكقوله تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أي: إن كنتم صادقين فهاتوا برهانكم (١).

المعنى الثاني: أن معنى: {وَهَمَّ بِهَا} المقصود به خطرات النفس فالهم: اسم جنس تحته نوعان؛ كما قال الإمام أحمد: (الهم) همان: هم خطرات، وهم إصرار، وقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن العبد إذا هم بسيئة لم تكتب عليه، وإذا تركها لله كتبت له حسنة، وإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة، وإن تركها من غير أن يتركها لله لم تكتب حسنة ولا تكتب عليه سيئة"، ويوسف - عليه السلام - هم همًّا تركه لله، وكذلك صرف الله عنه السوء والفحشاء لإخلاصه، وذلك إنما يكون إذا قام المقتضي للذنب وهو الهم، وعارضه الإخلاص الموجب لانصراف القلب عن الذنب لله، فيوسف - عليه السلام - لم يصدر منه إلا حسنة يثاب عليها، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (٢٠١)} (٢).

وهذا مثل الصائم الذي يميل بطبعه إلى الماء البارد مع أن تقواه تمنعه من الشراب وهو صائم. . ونظير هذا في القرآن أيضًا هَمُّ بني حارثة وبني سلمة بالفرار يوم أحد فقال تعالى عنهم: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} لأن قوله: {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} يدل على أن ذلك الهم ليس معصية؛ لأن اتباع المعصية بولاية الله لذلك العاصي إغراء على المعصية (٣).

والعرب تطلق الهم وتريد به المحبة والشهوة، فيقول الإنسان فيما لا يحبه ولا يشتهيه: (هذا ما يهمني)، ويقول فيما يحبه ويشتهيه: هذا أهم الأشياء إلي، بخلاف هم امرأة العزيز؛


(١) أضواء البيان للشنقيطي (٣/ ٥٣)، وانظر أيضًا المحرر الوجيز لابن عطية (٣/ ٢٣٥).
(٢) مجموع فتاوى ابن تيمية (١٠/ ٢٩٦، ٢٩٧).
(٣) أضواء البيان للشنقيطي (٣/ ٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>